أفضل طريقة لقتل استراتيجية الشركة

تملأ مجالس الإدارات رائحة البخور والاستراتيجيات التي دفع الملايين لتطويرها ثم يعاد مراجعتها في كل اجتماع بتعجّب من صعوبة تنفيذها. خارج تلك الجدران الأربعة، يوجد موظف مطلوب منه تنفيذ أحد هذه الاستراتيجيات ولكنه يسمع عنها مرّة في السنة في إجتماع سنوي لكل الشركة و”يسمعها من أذنه اليمين وتطلع من اليسار.” 


وفي الاجتماع القادم يعاد السؤال التالي: “لماذا لم تطبّق مبادراتنا الاستراتيجية بالشكل المتوقع؟”

ماهو الحل؟ هو في خلق ثقافة عمل تساعد على تحقيق هذه الأهداف فالبُعد بين التخطيط والتنفيذ هو أحد أعراض ضعف ثقافة العمل في غالب الشركات.


ماهي ثقافة العمل؟ ثقافة العمل هي تصرفّات يوميّة تم حبكها بدقّة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية لأي منظمة ويتم توضيحها لكل عاملي تلك المنشأة.


يقول بٍن هوروتز (شريك في صندوق أندريسن هوروتز) الهدف في بناء ثقافة العمل هو معرفة الإجابة على هذه الأسئلة:

  • هل هذه المكالمة مهمه جداً ويجب الرد عليها بأسرع وقت أو يمكنها الانتظار؟

  • هل يمكنني طلب زيادة على الراتب قبل المراجعة السنوية؟

  • هل العرض التقديمي جيّد بما فيه الكفاية أو يجب أن يكون رائع؟

  • هل أحضر الاجتماع على الوقت؟

  • إذا سافرت هل أحجز في فندق فور سيزنز أو في شقق فندقية؟

  • عند البيع هل تهمني العلاقة أكثر أم السعر؟

  • هل أشارك زملاء العمل إيجابياتهم أو سلبياتهم؟

  • هل ينتهي العمل الساعة ٥ أو ٨ مساء؟

  • ماهي أهمية معرفتي بالمنافسين؟

  • عند صنع منتج جديد هل يتم مناقشة لون التغليف لمدة ٥ دقائق أو أسبوع؟

  • إذا وجدت خطأ في الشركة، هل يجب علي قول شيء؟ لمن؟

  • هل النجاح أهم من أخلاق العمل؟


كيف تصنع ثقافة الشركة؟ في وجهة نظري لا توجد ثقافة تناسب كل الشركات، فبحسب الاستراتيجية تتبعها الثقافة فالثقافات المميّزة كانت مميزة لأنها حبكت لتناسب أهداف تلك الشركة. فلا يعقل أن تتبع أمازون نفس ثقافة ستاربكس مثلاً فاستراتيجية أمازون هي التركيز على العميل من خلال توفير منتجات عديدة وبسعر منافس جداً، وفي المقابل هدف ستاربكس هو توفير تجربة مختلفة للقهوة. 


مثال لثقافة عمل تخدم الاستراتيجية

استراتيجية أمازون تعتمد على عدة نقاط: إرضاء العميل وتوفير منتجات عديدة وبسعر منافس جداً. في أحد المرّات طلبت من أمازون الأمريكي ولم أجده رغم اشعارهم بالتوصيل. تواصلت مع خدمة العملاء وبعد دقائق تم إعادة إرسال الطلب مرة أخرى وإبلاغي أنه يمكنني الإبقاء على الطلب السابق في حالة إيجادي له. بعد ذلك بيومين وجدت الطلب بعد أن تسليمه لشقة أخرى وإعادته لي، وبسبب ثقتهم بي كعميل قررت الاتصال وطلب إعادته ولكنهم أصروا على إبقاء الطلبين! 


من الناحية الأخرى، لتحقيق استراتيجية التوفير تقوم أمازون باستفزاز الموّظف في أول مهماته. ففي بدايات أمازون كان الموظّف الجديد يحصل على صندوق من ايكيا يحتوى طاولة وأول مهمه له هو تركيبها بنفسه. الهدف؟ تذكيره بأن توفير التكاليف هو أحد أهم أهدافه وإن كان مزعجاً له. أعتقد أن الموظف لن يصرف أي مبلغ قبل التفكير في عوائده بعد ذلك الموقف.

كيف تقتل ثقافة الشركة؟ 

نرى العديد من الشركات تقوم بتقليد بعضها البعض باختلاف اهدافها. عُرف السوق أن الحضور الساعة ٨، احضر معنا الساعة ٨ حتى لو عملك إبداعي ويحتاج المزاج المناسب. يوم الأب؟ نعطيك وردة تبيّن لنا تقديرنا لك كأب. وهكذا من التصرّفات الشكلية التي قد لا تخدم أهداف الشركة.


كيف تختار ثقافة سيئة؟
قم باختيار قيم رنّانة لا تناسب مجال العمل. العمل مع الفريق، الانضباط، الإبداع وغير ذلك. وبعد ذلك قم بفعل عكس ما تقوله بشكل دائم. أطلب من الموظفين الحضور الساعة ٨ ولا تأتي المكتب قبل ٩. ركّز على الشكليّات بدون أهداف واضحه. أذكر في أحد ثقافات العمل السيئة بعد نقاش طويل تم احضار طاولة تنس للترفيه عن الموظفين ووضعها في وسط المكاتب. النتيجة هي أن ثقافة العمل السيئة أصبحت أسوأ بعد ما تم إضافة إزعاج اللعبة للمكان وتشتت الانتباه. 


كيف تختار ثقافة مناسبة؟

ابتعد عن السلبية وركّز على ما يجب فعله. قم أولاً باختيار القيم المناسبة لطبيعة العمل فلا يمكنك اختيار قيم “تكشخ” فيها عند مجلس الإدارة. القيم تلك يجب أن تأتي من الهدف الرئيسي للشركة وتمثّل المدراء التنفيذيين. بعد ذلك تأكد بأن القيم يتم مشاركتها بشكل واضح في بداياتها وبشكل عفوي من خلال التصرّفات التي تمثل تلك القيم بشكل مستمر. 


أكبر تحديّات ثقافة العمل تحدث عندما يأتي شخص جديد للمنشأة ويبدا بتحدي تلك الثقافة من خلال تصرفات تمثل ثقافته السابقة أو أقوال لا تناسب ثقافة العمل الحالية. كل ما زاد عدد العاملون الجدد في المنشأة زاد التحدي بالنسبة للثقافة، فالثقافات القوية لا تتغيّر بينما الثقافات الضعيفة بالمقابل ستتغير مع حضور كل شخص جديد. هذا التحدّي يمكن تجاوزه بوضع ثقافة قويّة وتأصيلها في عاملي المنشأة باستمرار ويفضّل تذكيرهم بذلك بشكل يومي عفوياً. 


الخطوات لاتخاذ ثقافة مناسبة يتم بالإجابة على هذه الأسئلة:

  1. ماهو الهدف الرئيسي من المنظمة؟

  2. ماهي قيمنا الحقيقية؟

  3. إلى أين نريد المنظمة أن تذهب؟ وماهي رؤيتنا لها؟


لننظر إلى مثال تخيلي لمنظمة اسمها "يوسف أفندي” هدفها تقديم أفضل أكل صحي ويقودها شخص مهووس بالأكل الصحي أسمه يوسف. يوسف يواجه حالياً تحديّات ببناء ثقافة العمل بعد فتح أول فرع له وبعد التفكير في أهداف المنظمة وما يمثله هو قام باختيار هذه القيم لتمثّل “يوسف أفندي”:

  • الصحة هي هدفنا. سنختار أفضل أنواع الأكل الصحي ونشجّع النمط الصحي للحياة. يوسف يؤمن بأن في حالة ممارسة عاملي المنشأة لحياة صحية سينعكس ذلك على شغفهم بالعمل وبتجربة العميل. يبدأ يوسف بتشجيع يوسف الأكل لجميع عاملي المنشأة من وجبات يوسف أفندي بتقديم وجبة يومياً مجانية، والهدف هو إن كان الأكل الصحي بشكل مستمر مُزعج للموظف فهو حتمياً مزعج للعميل ويجب زيادة الجودة. بالإضافة إلى ذلك يقوم يوسف بتحويل أحد الغرف إلى نادي رياضي حيث يمكّن عاملي المنشأة من ممارسة النمط الصحي بشكل دائم. نتيجة ذلك فإن موظفي المنظمة مهتمين بالرياضة والصحة وأهمية ممارستها وينعكس ذلك على شغفهم بتقديم طعام صحي للعميل.

  • الشفافية. يرى يوسف بأن الشفافية تساعد في توفير أكل صحي مميز. ففي حالة الشَك بضعف جودة المكونات أو فسادها يريد يوسف من الموظفين بالابلاغ عن ذلك بأسرع وقت. ولتأكيد أهمية الشفافية يقوم يوسف بمشاركة داخلية لاداء الشركة خلال كل ربع مع فرصة للنقاش مع الموظفين داخل الاجتماع. 

  • المثابرة. يعلم يوسف بأن إيجاد المكونات المميزة بشكل مستمر يسبب تحدي لتقديم وجبات مميّزة. يطلب يوسف من الجميع المثابرة في العمل. لتوضيح ذلك يقوم يوسف بزيارة الموردين والشركاء يوم في الأسبوع للتأكد من جودة المنتج. 

  • الإبداع. يرى يوسف بأن الأكل الصحي رائع ولكن العميل يصاب بالملل في حالة التكرار وعدم إيجاد وصفات مميزة. يشجّع يوسف الموظفين بتجربة وصفات صحيّة جديدة في مطبخ آخر للإبداع وتسمية الوجبات الجديدة بأسماء الموظف الذي حضرّها لأول مرة. 


نرى أن يوسف قام باختيار القيّم المناسبة لشركة يوسف أفندي وفكّر في حبكها بطريقة عفوية تتلائم مع تصرّفات المنظمة بشكل يومي. وكنتيجة لتلك القيم والثقافة ستنعكس بتطبيق استراتيجية يوسف بدون تدخّل مباشر بشكل يومي.

 

في نهاية الأمر هناك عدّة أسباب لفشل الاستراتيجيات سواء كانت داخلية أو خارجية، وأعتقد بأن بناء ثقافة عمل في كل منظمة سيساعد في زيادة نسبة إحتمالية تحقيقها. قد لا تكون الثقافة المناسبة كافية لبناء شركة مميزة ولكن الثقافة السيئة ستقلل من نسبة النجاح. 

تنفيذ الاستراتيجيات يتم عن طريق الموظفين بشكل يومي ووجود ثقافة عمل مميزة يساعدك في تحقيق أهدافك وإبقاء الموظفين المناسبين لفترة أطول.

Join