تجربة ستارت اب … من الصفر حتى الخروج الناجح (الجزء الأول)
٤ سنين من الأخطاء والتصحيح المستمر
في ليلة باردة بشتاء نيويورك القاسي ، كنت قد ارسلت البريد الإلكتروني الخميسن لمجموعة من المهتمين في انشاء ستارت اب في مجال تعليم الآلة و بالتحديد تحليل النصوص NLP. كنت قد امضيت قرابة العام لدى شركة متخصصة في هذا المجال في وادي السيليكون. في حينها بدأت استألف اجواء المدينة المزدحمة. البحث عن وظيفة في مجال هندسة البرمجيات جداً صعب والتنافس شديد على الشركات الكبيرة مثل جوجل وفيس بوك. كنت مؤمناً بأنه ما زال هناك ما يمكن عمله والسوق كان مزدحم بالأفكار البسيطة والمكررة.
كنت أبحث عن قضاء فترة تدريب غير مدفوعة لدى أي شركة لأطور من مهارتي في تحليل النصوص
بعد ان تواصلت مع قرابة ١٥٠ متخصص ومهتم في نفس المجال وجدتهم عن طريق البحث في الانترنت ، كان هناك رد واحد فقط من جيسون والذي أصبح في وقت لاحق الشريك المؤسس لCounselytics.
التواصل كان سريع ولم نتحدث كثيراً عن التفاصيل المملة في الشركة وكان تفكيرنا منصبّاً في الفكرة وكيف سنقدمها لسوق العمل.
لم يكن بوسعي العمل بشكل مدفوع قانونياً ولكن كان بإمكاني العمل كمتدرب. ذلك لم يدم طويلاً حيث وجدت طريقة للعمل بشكل قانوني في غضون أشهر. كنت أعمل كمتدرب بدوام جزئي ثم تحول ذلك إلى عمل بدوام كامل كمهندس برمجيات متخصص في علم الآلة Machine learning.
تطوير الفكرة لتصبح منتج كانت من أصعب التحديات التي واجهتها. كانت خبرتي في تطوير مشاريع موجهّة للأفراد ولم أملك أي خبرة في بناء منتج مخصص للشركات. سأسرد في هذا الجزء من السلسلة كيف تمكنت من فهم السوق وانتاج برامج مخصصة لسوق الشركات الكبيرة او كما يسميها الأمريكان Enterprise companies. هنا مقالة تشرح الفرق بين منتج للافراد B2C و منتج للشركات B2B. قد يتحدث البعض عن هذه الفروقات في التسويق لكن مهم جداً ان يفهمها أيضاً مبرمج المنتج. تطوير مشروع للاستخدام الداخلي بشركة كبيرة يعني عدد مستخدمين أقل وتجربة مستخدم مختلفة. مستخدم الشركة هو موظف ويتقاضى راتب لأداء عمله. قد يتغاضى عن تجربة المستخدم الرائعة في مقابل سرعة الإنجاز وجودة الأداء. فما يهم الشركات التوفير في الميزانية مما يساعد في زيادة الأرباح. الشركات تبحث بشكل مستمر عن طرق لزيادة الانتاج وتوفير المال والوقت ، إذا كان منتجك يحقق هذه الأهداف فانت لاتحتاج لوقت كثير لتقنعهم بالعمل معك.
عندما يكون المنتج موجه للشركات ، تحتاج أن تكون مرن في تنفيذ تعديلات مخصصه للعميل
يعتاد المطور في المشاريع الموجهه للأفراد ان يقوم بتطوير المنتج بشكل واحد يشمل كل احتياجات المستخدم. عند التعامل مع الشركات يختلف الوضع ، حيث كل شركة تستخدم أدوات مختلفة ولديها طريقة عمل ليس بالضرورة تتشابه مع باقي الشركات. في البداية كنت أرفض تعديل المنتج لعميل معين ولكن مع الوقت بدأت اتقبل الفكرة. وعندها بدأت في إعادة كتابة الكود بشكل يسهل عملية اضافة تعديلات مخصصة للعملاء.
خلال السنتين الأولى كان هدفنا الوصول إلى منتج مبدئي Prototype يمكن عرضه على الشركات واخذ انطباعهم المبدئي. خلال هذه الفترة حاولنا أن نقنّن ما يمكننا بالفعل تقديمه للشركات. عملنا على تحديد المشكلة وكيف أن استخدام منتجنا سيعود بالفائدة للشركات. كنا نقوم بالكثير من التعديلات على المنتج ونستمر في تغييره حتى نصل إلى ما يريده العميل. كمبرمج كان يصعب عليّا العمل على هذه التعديلات بشكل مستمر بدون الاهتمام بجودة المنتج وفعاليته حيث كان الهدف الوصول إلى الطريقة الصحيحة وليس تطوير منتج نهائي.
مع الإقتراب من السنة الثالثة شعرنا بأننا جاهزون لتطوير المنتج النهائي وتمكنّا من الحصول وعود من شركتين كبيرة وقديمة مستعدة للعمل معنا أثناء تطوير المنتج النهائي. بدأنا في تطوير المنتج النهائي وزيادة عدد المطورين حسب الحاجة وتوظيف مسؤول مبيعات وتسويق. كنا نعمل على مدار الساعة حتى نتمكن من إنهاء المطلوب خلال الربع الأول من العام. كان فريق المبيعات يتواصل بشكل مستمر مع العملاء. خلال هذه الفترة كنا نجني ثمار البحث المتواصل خلال السنتين السابقة. تمكنا من الحصول على سمعة في السوق والتوقيع مع مجموعة من الشركات.
خلال السنتين الأولى تعلمت الصبر في التطوير والإنجاز بشكل هادئ. كنت أكتب الكود لتفعيل خاصية بشكل معين عدة مرات خلال شهر واحد في محاولة للوصول لأفضل طريقة قد تناسب العميل. كنت أقوم بتجربة أفكار جديدة لانتاج موديل يساعد في تحليل النص بشكل أفضل. مكثت أغلب السنة الأولى في دراسة عمل المحامين ، حتى اني طلبت من احد الأصدقاء والذي يعمل كمحامي حر أن اراقب آلية عمله وكيف ينتج العقود. كان لابد لي ان افهم كيف سيتم استخدام المنتج في النهاية.
خلال السنة الثالثة بدأت في زيادة عدد الموظفين وابتدعتُ عن كتابة الكود والتركيز على التنظيم والتخطيط. خرجت في زيارات للعملاء لمتابعة ردة فعلهم للمنتج وتسجيل الملاحظات ومشاركتها مع فريق العمل. حرصت على متابعة المنافسين (كان هناك ٣ شركات منافسة في السوق) وكنت ابحث عن نقاط ضعفهم وكيف يمكن الاستفادة من نقاط قوتهم. كان يهمني جداً ان يشعر كل موظف بأهمية ما يقول به كل يوم ، مما كان يحفز الفريق على الانتاج المستمر.
بحلول السنة الرابعة كان ما بدأناه قد اصبح جاهزاً لخطوة اكبر للأمام … لم أكن أتوقع أن نحصل على هذا الاهتمام من سوق برامج ادارة المستندات … شركات ضخمة تقدمت بطلب استحواذ على شركتنا البسيطة. سأتحدث عن تجربة الاستحواذ في تدوينة منفصلة. أتمنى أن تنال هذه الكتابة على استحسانكم … نراكم قريباً :)