كوميديا الأزمات
أهلاً،
تُفاجئنا هذه الأيام الاستثنائية بكل أنواع الأمور الضرورية وغيرها اللازم أو الممكن عملها خلال الوقت الطويل في هذا الحَجر العالمي الممتد، الشيء الذي جعلني أعيد التفكير في الكتابة هنا مجدداً بدلاً من طرح التساؤلات والتفكر في فضاء أقل عمومية، وأكثر تركيزاً عن ماهو عليه في تويتر أو في مهرجان واتساب لتناقل النكات والخلطات والهلع.
إلا أنه وبالرغم من كل ما يحدث في العالم من اخفاقات واحباطات وارتباك والكثير الكثير من الضجر والتوتر، أستطيع أن أجزم بأن البشر يتغلبون على هذه المشاعر كلها بحس الفكاهة وحده! ولا أستطيع أن أشرح كيف لكني لاحظت هذا جلياً في تجربة فعلية، رأيت القدرة الهائلة فيها للنكتة حين كنت بجانب أمي اليوم وهي تتصفح جوالها، فاستقبلت مايثقل عليها عيشتها ووزن الجوال نفسه من أخبار تُنبّئ بنهايتنا القريبة المأساوية على يد الفايروس اللعين، ذاك الفزع لم يكن ضرورياً لكنّه تمثّل في عينيها وتمتمتها المتقطعة بالدعوات. ثم في انتقالة سريعة لمجموعة أخرى من الدردشات الممتلئة بالرسائل المُحوّلة، مرّت على عدد من النكت الممثلة في صور أو فيديوهات تسخر على وضعنا الحالي، ضحِكَت عليها، أعادت قراءتها جميعها، وشرحتها لنا، ثم أعادت إرسالها لكافة المجموعات والأفراد والقبائل في كل تطبيقات التواصل الممكنة.
تلك البهجة المفاجئة ،وإن كانت عابرة، كما الأخبار السيئة المتناقلة، فإنها مطلوبة وبشدّة في وقت كهذا، ومن بين رزمة المهام شديدة التقييد التي نقوم بها الآن، وعلى رأسها التزامنا في البيوت!
مرّ وقت طويل على تواصل متّصل كالذي يحدث الآن، بالنسبة لي على الأقل، باتت الكثير من قروبات الأصدقاء مرتعاً للرسائل الضعيفة، والسلامات الباردة، وإن كان هناك وقت للحديث، فيُستغل بالحديث عن العمل، الذي ومن غير شك، يكون دائماً للشكوى.
اليوم أصبحت هذه المجموعات لا تهدأ، وإن كان غالب الكلام لايفيد، وتناقل الأخبار لا يغير في هذه الأوضاع المرتبكة شيئاً، فلمَ لا تكون النكتة سيدة الموقف؟
صديقتي الطبيبة، التي بالكاد تجد وقتاً في نهاية اليوم أو بدايته لتحكي مغامرات هواجس شبح كورونا في أروقة المستشفى، والثانية المسؤولة في شركة معدّات طبية، تزور المستشفيات يومياً، لتقلق على الإمدادات، وتقلق من العدوى، ثم تُوزّع هذا القلق في قوارير المعقّمات المفرغة على كفّيها. والأخرى البعيدة التي يرفض مديرها اعتماد عملها عن بعد، لتبقى محكومة بالحجر داخل العمل وخارجه. إن كان القلق هو أكثر ما يُعزّز أواصر القرب، فلمَ لا يكون بوسعنا تبديده بالنكات دائماً؟
امتلأت المجموعة بالحياة، بالمؤازرة، والضحك، الكثير من الضحك وتبادل النكات والتعليق عليها. إن كان ثمّة مخرج لنا هنا، فمخرجنا المتاح هو هذه البهجة التي يصنعها الضحك.
توبّخني قريبتي لما تراه من كثرة الهزل والاستهتار، ولأنه لا يجب ان نضحك على موضوع جادّ كهذا. وتقول خالتي بأنه كلما زاد ضحك الناس على مصائبهم، ضعفت قلوبهم وحانت نهايتهم. ولا أدري إن كانت كوميديا سوداء كما تقول أختي، أم أنها ردة فعل طبيعية على أمور لا نستطيع ضبطها ولا التحكم في تسارعها، فتكون النكات هي وسيلتنا الوحيدة لإضفاء الحياة على الحياة.
يُكرّم أبطال الصفوف الأمامية في الأزمات، من طواقم طبّية وعسكرية ومدنية نظير جهودهم. وأتوقع أنه حان الإعتراف بوجوب تكريم صُنّاع النكات على حدّ سواء. الذين لا يتوانون عن نشر البهجة طالما حالفتهم النكتة. يُسقطون حس الفكاهة على ما يقابلهم من ضجر، ليزهر الفضاء خفيفاً بخفض ضغط التوتر. لا يهمّ حقاً من ابتكر النكتة أولاً، أو من مررها، لأن غايتها في النهاية واحدة.
شكراً على القراءة.