هل يستطيع الجني أن يحرك دولابًا ؟



عندما تراقب أفراد وجماعات المجتمعات النامية في القرن الواحد والعشرين، التي تطمح للوصول إلى مستوى العالم المتطور ثقافيًا، ستكتشف لديهم الكثير من المعتقدات التي كانت سببًا في تأخرهم عن العالم المتقدم الذي يطمحون في أن يكونوا جزءًا منه، هناك الكثير من المعتقدات المختلفة في مختلف المجتمعات المتخلفة والنامية، ولكن الشيء الوحيد المشترك بينهم هو معدل تصديق الخرافة المرتفع، وتمسكهم بغيبيات لا أصل لها في الواقع والعلم والدين.

قد يكون الدين في بعض المجتمعات هو أصل التخلف الثقافي لديهم، مثل عبادة البقر والشمس والعضو التناسلي الأنثوي وغيره.


لأنه حتمًا هناك ترابطٌ بين العادات الحياتية ومستوى الطموح لدى المجتمعات، هل تظن بأن شخصًا ما يؤمن بأن البقرة إله قد يطمح أن تكون دولته رائدةً في وصفات اللحوم مثلًا ؟ قس على ذلك.


في مجتمعاتنا العربية، وبعد مراجعة بسيطة لتاريخها، تستطيع أن تجد أن جل إهتماماتهم كانت تتمحور حول العُصبة ونصرتها، ثم رعاية الإبل والخيل واللغويات مثل الشعر والهجاء وغيره، هذا قبل ظهور مفهومٍ أعمق للحياة والوجود لديهم، أي الدين، لا أذكر العادات أعلاه على سبيل الذم، فقط على سبيل الذكر.

ثم ظهر الدين، الذي كانت رسالته الأولى هي: اقرأ.


في الحقبة الأولى-قبل الدين-كان الجهل منتشرٌ لديهم في كل شيءٍ تقريبًا، كانو يدفنون البنات وهن أحياء، وكانوا يصنعون تماثيل على أشكالٍ دونية، ثم يعبدونهم ويتقربون إليهم بالقرابين والصلوات المختلقة وغيرها، وكانت لديهم نظرتهم المنطقية تجاه كل الخرافات المحيطة بهم والتي تعيش في معتقداتهم.

الذي أعنيه، أنه لو لم يجدوا نفعًا بعد أفعالهم تلك لتركوها ووجدوا أفعالًا أخرى تشعرهم بإمتلاك مخزون عقائدي ما، بمعنى، يذهب الجاهلي إلى الصنم، ويقدم له قربانًا على أن يجعل قبيلته تنتصر في المعركة المرتقبة بين قبيلته والقبيلة الأخرى، ثم ينصرف الرجل بعد ذلك إلى الحرب، ويفوزون بها، ويوعز ذلك إلى الصنم الذي اتخذه إلهً وقدم له قربانًا، فتراه يستمر في اعتقاده ذلك لتوافق الأسباب في عقله، ودعني أراك تقنع الجاهلي بعدم جدوى ذلك الفعل وأنه لا علاقة بين الحدثين. تذكر دائمًا هذه القاعدة المنطقية: “التوافق لا يعني السببية”.


فقد فازت قبيلة الجاهلي في المعركة لأنهم كانو أقوى بكل بساطة، ولا علاقة بالصنم والقرابين بذلك، إن قوة القبيلة في المعركة هي السبب الفعلي والحقيقي لفوزهم بالمعركة، ولكن فقدان الجاهلي معايير القياس والدراسة لتلك المعايير جعلت منه يرجح ذلك الإنتصار إلى القوى الغير حقيقية.

الجهل يولِّد الخرافة والخرافة تولِّد الخوف والخوف يولِّد الضعف

الكاتب

أما في الحقبة الثانية-بعد ظهور الدين-نجد هنالك سمو في المعنى واهتداء في العقل وتأصيل للعواطف والوجوديات، ولن أذكر ما أحدثته رسالة الدين في عقول وقلوب العرب وكيف غيرتهم إلى الأفضل وجعلت منهم صنّاع حضارة نقلت العلم والأدب واللغة وغيرها إلى الحقب التالية، ولكن سأذكر مقاومة الجاهليون لهذه الرسالة.


إن المُعتقِد يدافع عن معتقده لأن ذلك يشكل جزءًا لا يتجزأ من كينونته، ويقاوم التغيير حتى وإن كان التغيير ضروريًا ويصب في منفعته، كما فعلت قريش مع ناشر رسالة الدين، الرسول عليه الصلاة والسلام.


بعد هذا كله، نجد أن المجتمعات النامية في الوقت الحالي، تتشابه كثيرًا مع مجتمع الجاهلية قبل 14 قرنًا من الزمان، الإختلاف الوحيد، هو نوعية الخرافات المنتشرة.

Join