في الصيد وجدت ضالتي
أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ
سورة المائدة - 96
لطالما كان السؤال عن “الهواية” يؤرقني كما يؤرق الكثير من أقراني وذلك لأسباب أجهلها ، فقد تكون لعدم توافر المحفزات اللازمة في البيئة المحيطة كالطقس والادوات المناسبة. ففي صغري كان الجواب آنذاك: “السباحة” و “القراءة” و “جمع الطوابع”.. ويجيب بعض اقراني باجابات مشابهة وبعضها غريبة مثل “ركوب الخيل” بينما لم يكن لديه حتى حماراً او بغلاً آنذاك..!!
مرت السنون وتعلمت الفنون ، وكنت أتابع صديقاً في الشبكات الاجتماعية وأراقب نشاطه الأسبوعي رغم انشغاله وبعد مكان عمله. فقد كان صاحبنا يهوى صيد البحر (“الحداق” بالهجة المحلية في منطقة الخليج العربي). وكنت أتعجب من شغفه بهذه الهواية والتي يتخذ منها البعض حرفة يقتات منها. ومن خلال متابعتي له تبين لي ان له قارباً يخرج به في رحلات دورية لممارسة هوايته وكنت انظر إلى الصور التي يشاركنا بها في الشبكات الاجتماعية ويظهر فيها مع بعض زملاءه وهم في شدة السعادة (ادام الله عليهم الافراح والمسرات). وتساءلت حينها “كيف لهم ان يسعدوا وهم في وسط البحر المالح ورائحة الزفر المقيتة”..!؟
وبعد أشهر من المتابعة والمراقبة عن كثب هيأ الله لي أن أقابل صاحبنا هذا ذات يوم بينما كان يهم ببيع قاربه باحثاً عن قارب آخر أكبر وقد وفقه الله لقارب “يخت صغير” ، وأتفقنا على ان نتشارك في شراؤه وصيانته تمهيداً لإستخدامه. وبالفعل قام صاحبنا مشكوراً بعمل كل ما يلزم لتهيئة اليخت وتجهيزه لخوض غمار البحر.
وبدأت بالخروج في قاربنا الجميل مرة أو اثنتان خلال الاسبوع الواحد وكانت رحلاتي في البداية لمجرد الترويح والاستجمام ، ومن ثم بدأت بتعلم الصيد وكانت عملية الصيد منعطفاً محورياً في عملية الخروج للبحر. فقد تبين لي وقتها سبب سعادة صاحبنا عند خروجه للصيد. ففي هذه العملية أجد صفاء الذهن والراحة النفسية التي لا أجدها في اي عمل آخر اقوم به غير الصلاة والعبادة.
مضت الايام والاسابيع وزادت وتيرة خروجي الاسبوعي لتصل لثلاث رحلات أسبوعية وكل رحلة منها لاتقل عن خمس او ست ساعات ، وفي أحد الايام وصلت لأربع وعشرون ساعة وكانت رقماً قياسياً بالنسبة لي كمبتدىء. عرفت هنا سر السعادة بأن يكون لديك “هواية” جميلة ونافعة لجسدك وروحك. فقد كنا نعود في كل مرة ومعنا مايكفينا من الصيد لوجبتين او ثلاث وجبات طعام خلال الاسبوع. وكما يعلم الجميع بأن وجبة السمك من الذ واطيب الوجبات وخاصة إذا كان السمك من صيد يديك بعد توفيق الله. فالسمك الطازج لا يقارن بسمك السوق الذي مر على الثلاجات وانواع الملوثات واختلاف درجات الحرارة أثناء الحفظ.
وبعد أشهر من ممارسة هذه الهواية المفيدة الرائعة بدأت بتنظيم وقتي وأستغلاله بشكل افضل وبدأت ضغوط الحياة في الانخفاض تدريجياً وأصبحت اوقاتي أكثر تنظيماً وذهني أكثر صفاءاً. وبدأت بالخروج مع الابناء والاخوة والاصدقاء والاقارب وكانت ومازالت لحظات جميلة نقضيها في الصيد والاجمل هو تهذيب النفس بالقناعة بما آتانا الله من صيد قليل او وفير.
نعم، لقد وجدت ضالتي في الصيد.. اللهم لك الحمد على نعمك الكثيرة، ولك الشكر على عطاياك الوفيرة..
أنسب تواريخ و أوقات الصيد
ظاهرة “الحمل” و “الفساد”
أفضل الاوقات لصيد الاسماك في الخليج العربي وذلك بحسب عدة عوامل أهمها ظهور واختفاء القمر والتي تؤثر على حركة المد و الجزر و الرياح. وتسمى الاوقات التي تكون فيها التيارات المائية عنيفة في عرض البحر بـ “حمل” بفتح الحاء و عندما تكون التيارات في عرض البحر خفيفة بـ “فساد” بكسر الفاء. حيث أن الاسماك الصغيرة والمتوسطة تهرب الى الشاطيء او الى اماكن خفيفة التيارات نسبياً كي لا تتعب عند مواجهة التيارات كما أنها لا تأكل في حال كان التيار قوياً.