سُعاد و زَهرة

فرحتان ناعِمتان


مرحبًا مجددًا.. نهاية آب.. وسيل جديد من الأفكار المتتالية .. ومحاولات دائمة في سبيل تحقيق نجاحٍ يبدو الوصول إليه مرهقًا جدًا.. 

كبداية.. فإن الركود و الرفض المتتالي من بعض المقاهي على شكل كعكاتي التي لا تتناسب مع “فكرة التصوير والتسويق” ووصف بعضهم أنها تشبه تزيين الأمهات وكأن هذا ذمٌ يجب أن يغضبني، أمر يستمر بإرسال الإحباط لدواخلي.. بل يحززني للغاية أيضًا، العمل يمر بحالة ركود مرهِقة و أتفهم ذلك تمامًا، من المستحيل أن يستمر أي شيئ على حالة واحدة. لكن………. 


نهاية آب حملت لي مسرة مختلفة من نوعٍ ما.. صديقتي وشقيقتي.. لكلتيهما محبة كبيرة في قلبي. 

صديقتي بدأت حياة جديدة وكان هذا حدثًا يحتفى به حتى وإن أحتفي به بعد مرور شهرٍ كامل.. أما الأخرى فحملت في نهاية آب مسرة ميلادها وقدومها لهذا العالم. 

سُعاد

في وصف سُعاد نستطيع القول أنها الصديقة المُثلى التي تتواجد لتعطف عليك وتنصحك، تأخذك الأحاديث معها بعيدًا وتستطيع أن تضحك معها مطولاً.. كانت الصديقة التي احتجت لمعرفتها في تلك الفترة حقًا، عرفت سعاد بينما أبلغ من العمر تسعة عشر عامًا، في نهاية سنتي تلك بدأت أعمل تطوعًا لجهة ما تحت إشراف سعاد، توجهني لكتابة المحتوى، وتبعث بملفات ونصائح مثرية، تتواجد لتساعد الكل، وتجتهد قدر الإستطاعة، خفيفة الظل، هادئة الوجود بصخب طفيف، بدأ كل ما أعرفه عنها وتعرفه عني من خلال الهاتف، شكوت لها من عدم قدرتي على الكتابة لأني أشعر بإكتئاب ينخر فيني ببطء، احتوت الموضوع وأصبحنا نتحدث عن الأمر ثم مرة وأخرى كانت سعاد حاضرة بلطفها المعهود، توجهني حين تعلم أن شيئًا ما سيجذبني، كان هاتفي و هاتفها كفيلين بصنع صداقة جيدة، لن أقول متينة فلا متانة للعلاقات البشرية بقدر ما هي علاقة صادقة وشفافة. ذهبت لأحد الجهات التطوعية تبعًا لتوصيتها، ماحدث أن الجميع ظن أني إحدى شقيقاتها أو قريباتها، أخبرهن حقًا أن لا صلة قرابة بيننا، و يصر الجميع أن هذا غريب و يحلفن أني أشبهها، كل ذلك و أنا لم أرى سعاد قط، رأيتها بعد تلك المحادثة مرتين في صور متفرقة لنحصي عدد الصفات المتشابهة. رأيت سعاد للمرة الأولى في حفلة عيد ميلادي الحادي و العشرين التي أقامتها لي والدتي، كانت المرة الأولى التي ألتقي فيها بسعاد.. أصبحنا نلتقي بشكل متقطع لطيف، نتفق على مقهىً مختلفٍ كل مرة، نجلس لنتحدث لعدة ساعات، عن كل شيء، لا حديث مرتب. حديث ناعم منساب مليء بالإبتسامات و النصح و المشاركات الةجدانية عن كل ما يصدفنا، تأخذنا دومًا الأحاديث لجوانب كثيرة مختلفة.. و لا تنفك سعاد تكون من السعادات و النعم الصغرى و لا أنفك أمتن لأنها صديقتي. احتفلت الأيام حبًا مع سعاد بسعادتها بارتباطها و حياتها الجديدة.. وقررت أنا أن أحتفل بعد مرور فترة من الزمن بكعكة. هل أصبحت أخبز الكعكات حبًا؟ أم أني أجد في الطبخ سرًا يعبر عن الحب للآخرين؟ صنعت كعكة حلوة المنظر، لذيذة كما آمل تشبه سعاد و هالتها، كعكة شوكولا داكنة قليلة الحلاوة، بكريمة الزبدة الناعمة منسابة مع الكرز و التوت متعاقبة على شكل طبقات كما هو لطفها المعهود و حديثه المسلي. كعكة تشبه ما أعرفه عنها.. هكذا أصبح ركود أوغست المرهق نفسيًا المحبط جدًا فجأة أمرًا عاديًا للحظة، أصبح الأمر مجرد ركود محدد في سير خطط الأعمال. و هكذا استطاعت كعكة أخرى أن تصنع لنفسها مكانة و ذكرى جيدة.. و هكذا مجددًا أكتشف أن كل إحباط يحتاج كعكة واحدة فقط. كعكة واحدة ليتحسن الشعور. 

زَهرة

زهرة، شقيقتي الصغرى التي تكبر كل سنة بمرور تاريخ الحادي و الثلاثين من شهر آب. صغيرة المنزل، و سلوته، الشقية الحُلوة. شبيهتي الجميلة. أحب أختاي جدًا. لكن لا يسعني حصر أسماء في فقرة، فهي قضت عمرًا معي يحتاج لتسطير مواقف كثيرة. لذا تجنبنا لسخط الشقيقة الأخرى، فأنا أعدها قبل التعمق في كتابة كل هذا أنها تهمني وأني أحبها. 

زهرة… 

قد يبدو الأمر غريبًا، لكن أكبر مخاوفي أن تكبر زهرة ولا تحبني كما الآن، أن لا تستطلفني أو تشعر بأني شقيقة كبرة نزقة على سبيل المثال أو تتجاهلني، أو تصبح مراهقة لا يعجبها شيء البتة، كل هذا يخيفني كما يخيف الأمهات، أشعر باتجاه زهرة بالكثير، فأنا أحب زهرة، أحب زهرة بطريقة عصية علي بعض الأحيان. أتذكر يوم قدومها، وأول مرة رأيت تلك الطفلة الحمراء في حاضنة المشفى خلف الزجاج، بخط صغير لا يزال أثره واضحًا في أنفها، برائحة الأطفال و شكل المواليد الذين يحملون رائحة الحياة قدمت زهرة، و قدم معها شعور طاغي بالعاطفة. خشيت حمل زهرة في الفترة الأولى، أخشى حمل الأطفال الصغار بين ذراعي، أخشى ملامستهم و شمهم أو حتى الإقتراب منهم بشكل كبير، أخشى ملمسهم الناعم جدًا و شكلهم الجديد للغاية على وجه الحياة، جسد و بشرة غير معطوبة. حياة جديدة أخرى من عالم مختلف لم يُحفر فيه شيء بعد، معجون بالحقيقة و بالوجه الأول. هذه كانت زهرة. طفلة صغيرة مدثرة بشرشف أبيض بأنف مدور وبشرة وردية للغاية. أحببت زهرة وأحبها، ربما هي الطفلة الوحيدة التي سمحت لي بالإنقياد لفكرة أن الفتيات يحبون الأطفال وأن الأطفال يتخطون فكرة المسؤولية ليكونوا كائنات تنقذك من نفسك بعض الأحيان. ظهرت زهرة و أنا في أواخر عامي الثامن عشر، لا أزال أذكر نفسي أحضر لامتحانات الفصل الصيفي لمادة القصة القصيرة، أذكر معرفتي بها بينما أدرس قصة إدجر ألان بو المخيفة تلك the tell tale heart. و لا أدري ما حدث بعدها سوى أن قدوم زهرة كانت إحدى النعم التي ستكون ظاهرة دومًا. زهرة رفيقة حزني وأحاديثي و الضحكات والثرثرة. أصبح وجود زهرة منقذًا لي في كثير من الأحيان. تكبر زهرة و تمتلك ملامحي وأُسعد حين يقول لي أحدهم أن زهرة تشبهني، فزهرة هي الإنعكاس الأرق لكل شيء أعرفه. تشاركني زهرة كل ما أفعله فهي لا تدعني أرسم لوحدي، و لا تنفك تريد أن نصنع الكوكيز، وتحب أن تضع المكياج و سعادتها تبلغ أقصاها حين تجد أي شيء له بريق لامع، تنطق كلمة shadow حين تضع ظلال العيون بطريقة طريفة، بينما تخترع عبارات كردية عربية مختلفة و ذكية، فقبل أسبوع كانت تريد أن تسأل عن صحن طعامها الذي يحي الأرز لتقول بطريقة مضحكة “ أين برنجي” و ( برنج تعني في الكردية أرز) بكل لطافة وذكاء استعملت ياء المتكلم و تسأل بكل لطف بينما هي تصرخ لجوعها، لا أعلم سبب حبي لكلمتها، مثل؛ بقنونص بدل بقدونس، و حننادكم بدل حناكدكم و التي تعني أمزح باللغة الكردي، أو طريقتها في قوي أوووه وي عليننننااا بتمطيط كالعجائز. أو تحويرها لما يحرجها طقولها أنها تنزل مع أخواني الدرج لكي لا يخافوا القطط بدل اعترافها بخوفها من القطط. ترى زهرة أن البينك لون مختلف عن الوردي و الوردي مختلفًا عن الزهري، تسمي كل شيء أحمر بكلمة حمراء، و بدل أن تبحث بالكلمات في محرك يوتيوب فهي تسجل صوتيا الجملة التالية: (ألعاب التقبيطات البنات الأميرات الدكتورات) و لا أعلم كيف توصلت زهرة لتسجيل صوتها بكلمة تقبيطات بدل تطبيقات، و كيف خطر لها أن تجمع أميرة في شكل طبيبة و لعبة دفعة واحدة، لكنها تنجح بطريقة ما. تغني زهرةحين تمشي معي تارة يا الله يا رحمن حقق أمانينا، ثم تقلب بطريقة عجيبة لتقول، شحبط شحابيط لحبط لحابيط، متجاهلة حرف الخاء. أو لعبها للكرة بينما تسمي من لا يسمكها بـ يا هطف، أو حين تفرقع أصابعها مخرجة لسانها لتقول ألقققققم. تتذكر صديقاتي اللاتي التقتهن وتذكرهن، وتحب أن تأتي لتخبرني بأنها ستخرج معي وحدي لأننا بنات، ولا تريد لأشقائي الحضور لأنهم لم يسمحوا لها باللعب بالبلايستيشن. تخترع أمور عجيبة في أوقات عجيبة. في مرة أيقظتني زهرة في ظهر رمضان طالبة كعكة على شكل قطة، و صمعت كعكة على شكل قطة و لم أكن حينها حتى فقهت لفكرة مشروعي هذا، لكننا صنعنا كعكة على شكل قطة، و رغم أن زهرة تخاف القطط، ففي البارحة طلبت لعيد ميلادها كعكة قطط لونها بينك و زهري. وهو ما حدث، كعكة فانيلا تشبه زهرة، وكريمة وردية وصور قطط وأزهار تشبه زهرة. مهجة الأيام الحلوة والشقيقة الصغرى الألطف، والحظ الجميل في هذا العالم. في البارحة أتمت زهرة أربعة أعوام جميلة مثلها أتمنى لها عمرًا رائعًا بروعتها، أريد لزهرة أن تكون سعيدة كما تجعلني سعيدة ومليئة بالحب والعاطفة. ولا أعلم إن كان يحق لي القول لكن قلبي يمتلئ بعاطفة الأمهات لشقيقتي، رغبة حمايتهن و تقديم كل شيء لهن ملازمة لي وممتعة الممارسة لي. لزهرة أعددنا تلك الحفلة الوردية برقتها، المبهجة مثل ابتسامتها، صاخبة في جوانب منها كما هي. و كعكة أخرى مليئة بالحب، كعكة أخرى تشبه المحبة و الشقيقات الصغيرات والرقة. 


Join