ماذا بعد : حاضنات ومسرّعات الأعمال؟
انتشرت وبشكل مكثف في السنوات الأخيرة، لا سيما بعد استحداث هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة - منشآت، وتيرة حاضنات الأعمال والمسرّعات.
وهي مبادرات جميلة ويحتاجها البلد.
لك أن تتخيل أن في المملكة العربية السعودية، وحسب إحصائيات الحاضنات السعودية يوجد : 19 حاضنة ومسرعة. وغالب تلك المسرعات والحاضنات تستهدف المشاريع التقنية (وليس المشاريع التقليدية أو المشاريع الصغيرة).
ذكرت الفرق بين هذين النوعين من المشاريع هنا :
اليوم، وفي ظل الظروف الاقتصادية الراهنة. السؤال الأكبر : ماذا بعد المسرّعات والحاضنات؟ وإلى متى سنستمر في الإعلان عن مسرعات جديدة وحاضنات حول المملكة؟ وهل يجب أن نستمر في ذلك؟
الحقيقة، أن الاعتماد على المسرعات والحاضنات في رأيي الشخصي خيار لا يناسب المملكة العربية السعودية ووضعها الراهن. وربما أفرد مقالاً خاصاً أطلّع فيه “اللي على قلبي” حول هذا الموضوع. ما يهمني التطرق له في هذا الموضوع هو : هل تمكين قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة لا يكون سوى عبر هاتين الطريقتين؟ وماهي الفرص الضائعة؟
هل سمعتم بـ “منضجّات الأعمال” ؟
لمن سيسأل عن المصطلح الإنجليزي لـ “المنضجّة”. الجواب هو “لا أعلم” . لأن هذا المصطلح أخرجته من “كيسي”. ربما يكون من الجيد أن نجد له اسماً جديداً بالإنجليزية هذه المرّة.
فكرة هذه المنضجّات بسيطة وسهلة. ولعل أبسط طريقة لشرحها هي بتوضيح مالذي لن تجده في تلك المنضجات :
لن تجد أفكاراً خارقة أو خيالية هدفها تغيير العالم أو إحداث جلبة كبيرة
لن تجد أشخاص للتو تخرجوا من الجامعة يفكرون في صناعة : قوقل أو تويتر جديدة
لن تجد ضبابية في أفكار المشاريع فهي واضحة وموجودة في الأرجاء
لن تجد مستثمرين يحيطون بالمنتسبين لتلك المنضجّات يحاولون إغراءهم بالأموال والدخول معهم في حصص بعد أقل من ٣ أشهر من إطلاق تلك المشاريع
لن تجد مشاريع تتحدث عن “البلوك تشين” أو “الذكاء الاصنطاعي” أو مشاريع خارقة سيتم بيعها لأمازون أو شركة تقنية عملاقة
مما سبق ربما سيتضح لك مالذي ستجده. وهو ما سيقودني لفكرة المنضجّات.
اليوم ولزيادة إقبال الشباب (ذكوراً وإناثاً ) على الأعمال الصغيرة والمتوسطة، ولضمان سلامة المشاريع وعدم تعثرها مع أول “مطب”. ما يحتاجه من بدأ مشروعه أو الذي في مراحله الأولية هو مرحلة مهمة جداً تسمى : التنضيج.
في هذه المرحلة يحصل صاحب المشروع على جرعات معرفية تطبيقية (وليست تنظيرية أو عامة) ، إلى جانب تقديم حزم من الخدمات التي تساعده وبشكل مباشر في مشروعه الأساسي وصميم عمله.
طريقة تقديم ما سبق يكون إما بشكل مباشر (في مكان فيزيائي) أو بالإمكان تقديمه عبر وسيط الكتروني بشكل كامل.
لن يتوقف الأمر عند تقديم تلك الأمور وتمكين المستفيد من الحصول على الدعم. بل سيحيط بهذا كله أمرين هامين جداً :
تكوين شبكة دعم من المنتسبين لنفس المنضجة
متابعة مستمرة من المشرفين على تلك المنضجة. يتم فيها الإلحاح وزيادة “الشبّة” على المشروع حتى ينضج.
لماذا نحتاج اليوم إلى : منضجّات الأعمال أكثر من أي وقت مضى؟
بعد ما استعرضنا فكرة المنضجّات. أرى أننا اليوم وفي هذا الوقت، في أحوج مانكون لها. هي كـ أولوية لا تقل أولوية عن المسرّعات أو الحاضنات.
وهذا ليس توقع أو إحساس شخصي من واقع معايشتي واقع المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المملكة، وإنما لأن لدي أسباب تدعوني لأؤمن بذلك :
نسبة تعثر المشاريع عالية جداً. ولا أعني هنا نسبة المشاريع الريادية Startups وإنما المشاريع الصغيرة. اسألوا بنك التنمية عن نسب تعثر المشاريع لديهم وعدم السداد وسيتبين لكم ما أعني. أرجو عدم استخدام إحصائية ٩ من أصل ١٠ مشاريع تفشل، لأن المشاريع التي أعنيها هنا هي مشاريع صغيرة وليست مشاريع ناشئة.
البلد يعاني بشكل كبير من البطالة. حل البطالة لن يكون فقط بالتركيز على التوظيف (سواء في القطاع العام أو الخاص) بل التركيز يجب أن يتركز أيضاً على تحفيز أصحاب المشاريع من بدء مشاريعهم المختلفة وخلق وظائف لأنفسهم وغيرهم.
مستوى الخدمات والأعمال في السوق في وضعها الراهن يعتبر متدني. ولن يرتفع إلا بدخول مشاريع “ناضجة” لتلك القطاعات. هناك فرصة كبيرة لأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة (من السعوديين وليس المتسترين) في الدخول وصناعة علامات تجارية في مجالات متنوعة خصبة.
انظروا إن شئتم إلى تجربة قطاع المطعم وما وصل فيه السعوديين إلى جودة عالية وعلامات تجارية متميزة وظفت آلاف السعوديين والسعوديات وأضافت نسبة لا بأس بها للاقتصاد المحلي.لا يمكن أن ننتظر ولا يجب أن ننتظر. علينا أن نسرّع ونحفّز المشاريع في القطاعات المختلفة. لأن البقاء بأيدي مكتوفة وانتظار الآخرين لينضجوا قد يكون مقبولاً في وقت مضى. ولكن الآن ومع وجود حراك على جميع مؤسسات الدولة ومن رأس الهرم. فالتوقعات ارتفعت وطريقة تنفيذ الأمور لا يجب أن تكون كما كانت عليه بالسابق. لن ننتظر ولا يجدر بنا ذلك. بل يجب علينا المبادرة.
هل هذه فكرة “خيالية” أو أن هناك أمثلة واقعية عليها ؟
نعم أعرف أنك ستقول. هذه أفكار حالمة أو الأسوأ “نظرية”. لكن أود أن أقول أني لم أكتب ما سبق إلا بعد معايشتي لتجربة صغيرة أثبتت - لي على الأقل - جدوى ما أطالب به. كانت التجربة قبل عام ونصف تقريباً وكان شريكنا في التجربة هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة واستمرت الرحلة قرابة السنة.
لم نبتكر شيء جديد. هناك في الدول الناضجة، مساحة كبيرة لما يسمى بالـ Scale Up (مكبّرات الأعمال) . لكن ما نحتاجه تصميم برنامج خاص يناسب وضعنا في البلد ومن خلاله نستطيع إثبات جدوى فكرة كهذه أو صرف النظر عنها.
قصتنا في بناء منضّجة أعمال كانت مع منشآت كانت تحت مسمى : طموح للتجارة الالكترونية. سأذكر لكم تفاصيلها في تدوينة مستقلة بحول الله.