أهلين ٢٠٢٠ م
عام ٢٠١٩ م ، كان عام استثنائي على كافة الأصعدة وخصوصاً المهني. قرارات مهمة ومصيرية، بدأت فيها أجني بعض من خبرات السنوات المتراكمة. الحمد لله على بركة الوقت والجهد والمال، ونسأل الله المزيد.
العام الماضي، دوّنت خلاصة العام ٢٠١٨ م هنا في مدونتي وكان من الجيد اتباع نفس الهيكلة في الحديث.
ماذا بعد التركيز؟
من أكثر الأمور التي كانت في عقلي دائماً كيف أحقق درجات أعلى في التركيز. فالتركيز في شيء واحد مهم. ولكن الأهم أن تكون بالتركيز على التركيز نفسه. كيف؟ أن تعمل بشكل جيد على أن تتّمم ما بدأت به، أن تعرف بالضبط نقاط قوتك ومكامن ضعفك التي تحتاج فيها إلى من يكمّلك وتستعين فيه في الوقت المناسب.
الذي واجهته في ٢٠١٩ م ، وهي مرحلة جديدة في التركيز، كيف أستطيع التركيز في مهامي اليومية في الشيء ذاته؟ كيف لا “أفقد تركيزي” في عملي الأساسي ومهامي ذات الأولوية الأعلى إلى غيرها من المهام التي يمكن تفويضها أو تأجيل العمل عليها؟
هذا التحدي لم أستطع حله تماماً، ولكن سؤال اعتباطي مثل :
ما هو الممكن الذي لا أعمله، ويمكنني عمله ولكني لا أفعله
وجدت أن التشتت والتركيز مشكلة ليست لدي فقط. ولكن جزء منها (عضوي) يجب التعامل معه، والجزء الآخر يمكن التغلب عليه عن طريق بعض الممارسات. طرحت في تويتر هذا السؤال، وكانت الإجابات مثيرة للاهتمام جداً. أنصحكم بالاطلاع على ماجاء فيها
العام الماضي، كان التركيز على زد بشكل كبير. وكان تركيزي في الشركة مع شريكي سلطان العاصمي، أن نتحول من : منتج جميل يستخدمه التجار إلى “شركة” حقيقة. الدرس الأكبر لهذا العام، بناء المنتج فيه تحدي وتنطوي عليه كثير من العقبات، ولكن بناء فريق وثقافة وشركة متكاملة تحدي أصعب وأبعد مما توقعت بكثير. أتكلم هنا عن شركة ذات نمو سريع، شركة تضطرك إلى أن تبحث عن حلول مستمرة وتبني نفسك وفريقك والسوق الذي تلعب فيه بصورة مستمرة.
عام ٢٠١٩ م في زد كان عام مليء بالإنجازات الرائعة، على مستواي الشخصي وعلى مستوى الشركة.
أغلقنا جولتنا الاستثمارية الأولى بعد مقابلة أكثر من ٢٨ مستثمر وشركة استثمارية. لم أسند هذه المهمة ليقوم بها أحد غيري. قمت بها ووفقنا بجولة وشركاء متميزين ولله الحمد (محليين، إقليميين وعالميين) .
أفضل وصف تلقيناه من عشرات المواقع التي كتبت عن هذه الخطوة كان من صحيفة هندية وصفتنا بالشركة النابعة من المجتمع. فعلاً، نحن قريبون جداً من التجار بدرجة كبيرة، نحادثهم بشكل يومي وصادق لتطوير خدماتنا ومنتجاتنا لتلبي احتياجاتهم وأعتقد أن هذا من أعظم القيم التي سنحافظ عليها على مر السنين.
النمو الذي يحدث في زد، يجبر كل شخص في الفريق أن يتفوق على نفسه ويُخرج أفضل ما لدينا. بيئة العمل وثقافته، مرتفعة جداً وعالية. أنت ببساطة في مكان يحترمك كإنسان قبل أن ينظر لك على أنك شخص تقوم بالمهمة وحسب. هذه البيئة تعجبني جداً، وتحفزني على الإبداع. أمور مثل : العمل عن بعد، الإدارة بالأهداف (وليس بساعات العمل أو كمية الإيميلات التي ترسلها) والسعي الحثيث على تطوير الفريق هو ما يجعلني أؤدي مهامي كعضو في الفريق بكل سعادة. ممتن جداً لسلطان العاصمي - شريكي والمدير التنفيذي لزد - لأنه سمح لي أن أكون كما أنا وتقبلّني ووظفني لما فيه مصلحة الشركة. وإن كنت تتسائل لماذا لست مدير زد، فقد سألني مشهور الدبيان في بودكاست : “سوالف بزنس”
كثير من الناس يربط النمو الهائل في الشركات والمستمر، بالضغط وباحتراق الموظفين وبأنك يجب أن تختصر أو تلعب الأمور بقذارة أو على نحو غير لائق. والحقيقة، أن أداء الشركة من قبل حصولها على الاستثمار، وبعده، كان مذهل ولله الحمد. كنت بحاجة إلى أن أكون جزء من قصة كهذه ليست في “وادي السيلكون” أو في الدول الناضجة. وإنما في المملكة العربية السعودية، حيث يسهل اختلاق الأعذار ورمي الأسباب على المناخ الريادي.
كثير من الناس راهن على عدم قدرة الشركة على التوسع في ظل نقص الكفاءات في السوق، وحداثة تجربة بناء شركة في مجال B2B أو SaaS والحق يقال أننا كنا نخشى ذلك. حتى أثبت لنا فريق زد العكس ولله الحمد. الفريق متقّد، متعطس وشغوف. كثير منهم يود صنع فرق. اليوم الشركة ترتيبها على مستوى التوطين رقم ٢ في المملكة. وأفخر أننا خلقنا بيئة عمل مريحة لمن يعمل بها. الشركة اليوم ليست مرتبطة باسم مازن أو سلطان. ستتعب في إحصاء النجوم والأبطال الرهيبين في زد.
جزء من قيمي، مشاركة المعرفة. فعلنا ذلك كثيراً واتخذت من زد منصة سهلت علي هذا الأمر. خلقنا مجتمع تجار زد (فالأقربون أولى بالمعروف) ثم أبقيت على نشاطاتي المختلفة في التحدث في أماكن عامة أو استشارات مستمرة حتى انتهى بي المطاف إلى طرح أمرين أعتبرها مهمة للقطاع. الأول كان : نشر تقرير التجزئة الالكترونية بالشراكة مع الأصدقاء في أوشن إكس. الثاني : نشر دورة أساسيات التجزئة والتجارة الالكترونية (والتي بدأنها في نشرها على منصة منشآت التعليمية وسنقوم بتدويرها على جميع المنصات التعليمية في ٢٠٢٠ بحول الله)
شركة حركات، تكلمت عنها والتحديات التي أنوي عليها في عام ٢٠١٩م. ولله الحمد، الشركة تحولت استراتيجياً (لم نكن مضطرين لذلك ولكن فعلناها لنبقى في السوق وننمو النمو الذي يحقق طموحنا). وتحولت الشركة من مجرد شركة إنتاج إلى شركة تواصل وتفاعل.
إلا أن الرحلة في العمل التنفيذي في الشركة انتهى مع نهاية هذا العام، الفريق يعلم ذلك. الاستمرار في العمل لمدة ٥ سنوات في مكان أتيته وأنا لا أفهم فيه شيء، إلى مكان يجعلك بالفخر أنك كنت جزء منه أعتبره واحد من أهم الإنجازات.
الآن الشركة نضجت، وفي أيدي قيادة وفريق يعتمد عليهما. دوري سيتحول من الدور التنفيذي إلى مهام استراتيجية في مجلس الإدارة.
قصة حركات رويت بداياتها، ولكن توقفت عن الحديث عنها في منتصف الرحلة ونهايتها، وأعتقد أنها تستحق مني أن أفرد لها تدوينة خاصة.
عام ٢٠١٩ م، عام توديع حركات بشكل يليق بالشركة، وفريقها وشركائها. التزمت أمام المستثمرين أن تنجح الشركة، وكنا نشارك الفريق كل تفاصيل المراحل التي نمر بها. واجتزنا مراحل مفصلية بعد فضل الله وإيمانهم وعملهم الجاد، واليوم ندخل مرحلة جديدة فيها.
الخروج من الشركة وكتابة إيميل انتهاء مهامك كمدير للشركة ومسؤولية أن تترك المكان : كما كان أو أفضل مما كان كان هاجسي الأكبر. وأستطيع القول أنه كذلك بحمد الله وفضله.
مستثمر مؤمن
بعد التعمق في حالي، وجدت أن من الأشياء التي أستمتع بها هي رؤية : فكرة أو مشروع من حلم إلى حقيقة. كنت أمارس هذا الدور في نفسي وأود أن أقوم وأكون جزء من تنفيذ هذا الأمر بنفسي. إلا أن في السنوات الأخيرة توقفت عن محاولة “فعل وبناء كل شيء بنفسي”.
كنت أعتقد أن الاستثمار ليس متاحاً أو يقدر عليه سوى شخص من عائلة ثرية أو شخص لديه ثروة هائلة. والحقيقة، أنك لو كنت كذلك، فإنك ستكون في مكان مهيّأ أكثر من غيرك، ولكن لا يعني ذلك أنه حكر على فئة معينة في المجتمع.
القصة غير مخطط لها، ونجحت في تجربتين، حيث استثمرت “تحويشة” سنواتي لبناء منزلي مع شركتين وكانت النتائج رائعة بمعنى الكلمة. إلى جانب ذلك، بعض الشركات التي قمت بتأسيسها، بدأت توزع بعض الأرباح التي آثرت أن أقوم باستثمارها. أنا لا أنصح أي شخص بأن يحذو حذو ما أفعل - هذا شكل من أشكال القمار ولا أنصح بتجربته - . ولكن العائد المعرفي والعائد الشخصي ثم العائد المادي أصبحت تغريني في أن أقوم بها بطريقة مختلفة.
أنا لا أستثمر في شركات لا أؤمن بها وبمؤسسيها. وهذا باختصار أول وأهم شرط. مع مرور الزمن، ومع التجارب - الناجحة والفاشلة - ومع تجربة عملية جلب استثمار لشركتي : حركات وزد، وعملي في لجنة الفرص في مجموعة عقال لأكثر من ٤ سنوات، بدأت الاستثمار في مجموعة من الشركات التي أؤمن بها وفق آلية أقوم بتطويرها.
إجمالي تلك الشركات بلغ ٩ شركات. ٦ منها كان الاستثمار بمقابل مادي ولم أكن جزء من فريق التأسيس فيها. يطول الحديث عنها، ولكن سيأتي اليوم المناسب للحديث عنها - بحول الله - .
ماذا تغيّر فيني؟
كنت ولا زلت وسأبقى أحاول فهم نفسي جيداً والتصالح معها لأستمر في التحسين والتطوير. التغيير كلمة هيّنة ولذيذة على المسامع. ولكن عملية التغيير كعملية، وتقبّل نفسك أولاً لها وإقدامك عليها ينطوي عليها قدر كبير من الشجاعة والالتزام. هذا ما أحاول أن أتحلى به.
أعود للوراء وأنظر، وأتذكر مقولة الشافعي : “كلما أدبني الدهر أراني نقص عقلي , وإذا ما ازددت علمًا زادني علمًا بجهلي” على جميع الأصعدة.
أمور كثيرة حصلت في هذا العام ممتن لها وأحمد الله عليها. وأسأله سبحانه التوفيق في مساعيي في الدنيا والآخرة. وأن يكون العام ٢٠٢٠ م عام جميل يفوق جمال ٢٠١٩ م