التطبيل للوحدة خرافة الخرافات
رولا عبدالرحمن
( فمي مطبق لا يفتح إلا أثناء إدخال الطعام ، أحس أن لساني بدأ يصدأ . هـل يمكن للإنسان أن ينسى عادة الكلام إذا لم يتكلم لفترة طويلة ؟.. يجب أن أن أتكلم حتى لو مع نفسي وليقولوا أنني مجنون!! )
-القوقعة
الإنسان والبشرية أجمع لم تُخلق صماء من العدم المطلق و لم تُخلق لتعيش بلا تكافؤ و بلا نظائر بشرية مماثلة.
أي نظائر الإنسان التي تمس الروح بالروح، والفكر بالفكر، والقلب بالقلب.
خُلق الإنسان بمحض الوجود وبمحض الاندماج ضمن الجماعة يطالب ويسعى لها أحيانًا ، وأحيانًا أخرى يؤدلج عليهـا بمحض العادة ؛ يؤدلج على الإنخراط ضمن الجماعة سواءً كان سيدًا سلطويًا أو حتى فردًا ضمن الطبقات الكادحة لا يهم أين كانت مكانته بينهم تحديدًا ! المهم وجوده ضمن الجماعة !
فالجماعة بدورهـا تورث إليه مبادؤها وأفكارها وكلماتها ولغاتها ودينها وحتى همها ومخاوفها وولاءتهـا وأشياء كثيرة أخرى .
منذ بداية البشرية ، منذ خليقة حواء بجانب آدم أي منذ بداية نشء جماعة البشرية على هذا الكون الفسيح لم يكن الكائن البشري وحيدًا بالمطلق فإما تجده بل بالأصح نجدنا نبحث عن وجود بشري نأنس فيه أو نعاديه كنوع من تحقيق غرائز الإنسانية والبشرية.
كما قادت البشرية الأنس في آدم وحواء والكراهية في قابيل وهابيل، وأساطير البشرية قائمة ودائمة حول البحث عن كيان بشري متآلف يجتمع ضمن راية الجماعة او حتى يتعادى تحت رايتها.
ينشر كثيرًا عبارات سواء كانت صحيحة أو مختلقة في تعزيز وحدة الإنسان المطلقة وإكتفائه بذاته وحدهـا أو بمكتبته وتعلقاته باللاشيء واللامعنى بل تحديدًا بالشيء الذي يفتقد الروح البشرية التي تتخلله سواء كانت صادرة من أباطرة او نخب او حتى أشخاص عاديين، أجد ذلك نوع من التطبيل ونوع من التظليل اللاذع الزائف و نوع من انتفاء طبيعة البشرية الحقيقية .
تراودني أفكار كثيرة هل الجماعة وانتمائنا للجماعة رد فعل إيجابي بالمطلق او رد فعل سلبي بالمطلق؟
أقف كثيرًا بين الجانبين أسحب عقلي وانزاح للرأي الأول لكن لا ألبث كثيرًا حتى أجدني منزاحة للرأي الآخر؛ بطبيعة الحال أنا لا أؤمن ( بالمطلق ) على الإطلاق ، المطلق تعبير فضفاض واسع وتعبير تنظيري في كثير من الأحيان.
أخشى من فكرة الجماعة وكيف أنها قد تخلق كيان بشري ضعيف جدًا منزاح مسلم عقله للجماعة يبكي على انهزامها ولو كان بداخله عرسًا من الفرح.
وأشد يدي مع فكرة الجماعة لأن خيار الوحدة المطلقة يعد ظلمًا للكيان البشري ، وأحب فكرة الجماعة إن اتحدت وكانت خيار جيد لتأصل الرأي ورفع راية قضايانا الاجتماعية والثقافية
ما زلت عالقة بآخر رواية قرأتهـا وكأنها أصابت جزء من قلبي جعلته يهـتز يحتار ، يخاف ، بل يخشى من الوحدة كخيار عدواني تجاه البشرية
تدور قوقعة مصطفى خليفة عن ضياع دام ١٣ سنة من عمره بين السجون وبين القوقعة تحديدًا كما سماها ، فيدخل السجن بتهمه لا يعرفها ويستحقر من قبل الشرطة ويحاول الدفاع عن نفسه عندما يتهم بأنه ضمن جماعة الإخوان فيتفوه دفاعًا عن نفسه بأنه ملحد غير مسلم ، وبعدها تأتي المصيبة الأدهى بأن يُستحقر من قبل السجناء داخل الزنزانة فيعادونه ويبغضونه ويقاطعونه بل ويعتقدونه جاسوسًا نجسًا يتجسس عليهم ، فيخضع للتعذيب من قبل السجانين ويضيق صدره من معاداة السجناء له فيعيش عشر أعوام من عمره من غير كلمة أو حديث عابر يتبادله مع أحدهم فيحتم عليه الصمت ويجبر على الوحدة إكراهـًا .
يذكر بمقاطع كثيرة بالرواية انه أشتاق لصوته كثيرًا فيفكر كيف قد يبدو صوته الآن، ويشتاق كثيرًا لبشريّ يتشاطر معه حديثًا ولو عابرًا أو بمحض الصدفة بعد ضياع دام ١٠ سنين من التعذيب و من مشاهدة المذابح و من إذلال السجانين للسجناء.
لا أدري ما الخاتمة المناسبة والمنصفة لأنني أجد في داخلي الكثير وأود أن أقول الكثير خاصة تحت راية هذا الموضوع ، لكن الكائن البشري وجد ضمن الجماعة ليعاديها وليتآلف معها في الوقت ذاته الكائن البشري تقتل الوحدة كيانه وتفتته وأيضًا انخراطه المفرط نحو الجماعة يهمشه إضعافًا مضاعفة . لذلك وجد الإنسان في وضع الوسط الوسط هو السلم.