فضيلة النجوم

غالية



الإنسان بطبعه يحتاج نجمة ما في سمائه

هذا ما كتبته رضوى عاشور، الكاتبة والناقدة الأدبية المصرية في روايتها أطياف. تحكي هذه الرواية عن قصة حياة ” شجر عبد الغفار“ الأستاذة الجامعية لقسم التاريخ في إحدى الجامعات المصرية والتي أجمع القراء على أنها كانت محاكاة تتناول سيرة الكاتبة رضوى عاشور وأطيافًا من حياتها. أخرجت الاقتباس قليلًا عن سياقه لأحمله معاني لا تختلف معه بالأساس؛ ولأجدها فرصة في التوقف والتفكر بالقيمة العالية التي يعطيها عالم ما بعد الحداثة للفردانيّة


تُصور الفردانيّة بأنها إعطاء الحقوق الفردية أهمية تتفوّق على الجماعة، وترتكز على أن الفرد مستقل تمامًا بذاته وبكونه المحور الأول والرئيس ضد السلطة والمجتمع والأعراف. ولا يبدو أن هذا المفهوم بطريقه إلى الانزواء، بل انفلقت عنه مفاهيم عديدة، وتداخَل بسياقات حياتية عدة  ، كأسلوب الحياة البوهيمية المتحررة من الارتباطات والتوجه السائد لطريقة العيش.ـ
يقودنا التساؤل إلى الرغبة بمعرفة هل بالإمكان تفنيد هذه الفكرة بالعروج على مفاهيم أخرى؟ وأن نسأل أنفسنا من نكون لولا الآخرين؟ لولا فضائل من يأخذ بيدنا ومن نتأثر به ونتطلع إليه، من ننجو برفقته ومن نستدل به الطريق كما أستدل العرب قديمًا بنجومهم.ـ

تُحتم علينا طبيعتنا البشرية أن يحتاج أحدنا الآخر، أن نتعاطف مع الآخرين وأن نقع تحت وطأة البحث عن النجاة من خلالهم ليكونوا لنا ملاذًا وعزاءًا من تيه العالم وغرائبيّته.ـ


قرأت في مقالة مترجمة   ”ليس من المستغربِ أنّ أوّل عالم اجتماعٍ عظيمٍ درس الانتحار -إميلدوركايم- وَجَدَ بأنّه كلّما أصبح المجتمع فردانيًّا، كلّما ارتفع معدّل الانتحار.فليسَ الفقر أو المرض هما اللذان يدفعننا إلى اليأس المُدقع ومن ثمّ الانتحار، إنّما الذي يدفعنا هو ذاك الشّعور الذي يُخالجنا بغياب المعنى

 وهذا يعني أن معنى الحياة يتشكل لنا من خلال الآخرين، وحتى أن أساس تشكيل الذات معتمد على الآخرين ولا توجد الذات إلا داخل إطار مجتمعي

فهوية الفرد ليست مستقلة تمامًا كما تزعم الفردانيّة، بل نحن نعيش على جمع سابق لنا، يصوغ لنا أدوارنا في الحياة ويشكل سلوكياتنا.ـ
 
يقول الفيلسوف الكندي تشارلز تايلور
 إن أهمَّ تأثيرٍ بيئي هو الأناسُ الأخرون، الهوية الشخصية هي ليست نتاجَ تبصّر الإنسان في داخله منقّبا عن ذاته الحقيقية، بل تعتمد على تقبلنا أو ممانعتنا للهويات التي يحاول الآخرون فرضهاـ

وهذا
 ينقلنا إلي مفهوم مهم وأساسي؛ مفهوم التنشئة الاجتماعية
أو ما يقال عنه أيضًا التطبيع الاجتماعي؛ وهو ما يُعرف بتأثر الإنسان بالمواصفات الحضارية واكتسابه سلوكيات محددة بحسب التقاليد السائدة ومختلف القيم والعادات لينتج فردًا ذو شخصية ثقافية اجتماعية تناسب الجماعة. ننشأ منذ الطفولة ونحن نتأثر بأفكار ومبادئ والدينا، عائلاتنا الممتدة وحتى معلم المرحلة الابتدائية والكثير من الأشخاص بأدوارٍ مختلفة.ـ


نستنسخ مصطلحات وتعبيرات من نحب حتى نجد أنفسنا نكررها بلا وعي، نتفاخر ونتباهى بإنجازات أوطاننا وجماعاتنا وهي جهود غير فردية. ـ
 
نحتاج لإعادة التفكير أو زيادة التركيز أحيانًا لأن ننتبه إلى ما وقع تحت غطاء النظر وجعلنا لا نرى كم أنّنا مدينون للآخرين. وأنّنا لا نستطيع أن نكون ما نحن عليه إلا بجهدٍ جزئيّ يقع علينا، وجزءٍ أكبر يذهب للعناصر البشرية التي تمد يدها لنا منذ أن رأينا النظر. ولنبحث عن النجوم التي نريدها أن تملأ سماوات أرواحنا وتخفف عنّا وعثاء الطريق، أو حتى النجوم التي تسكن بنا مثل الحقيقة الفيزيائية المبهرة بأننا نتكون من ذرات هيدروجين والباقي من أجسادنا هو من بقايا النجوم.ـ

Join