النصيحة بين الوجوب والتطفل


عثمان الأأنصاري

حاجتنا للنصيحة لا تختلف كثيراً عن احتياجنا لأساسيات الحياة، فالمرء مرآة أخيه، وما يبدو لك صحيحاً ومحل ثقة، قد يبدو لغيرك عكس ذلك وفق معطيات وأدلة قد يقنعك بها، لذا من المهم تقبل النصيحة المقدمة بأسلوب علمي وفق الشروط المتبعة للنصيحة.


مشروعية النصيحة:

شُرعت النصيحة بكل الديانات السماوية حيث دلت الآيات القرآنية على أن مهمة الأنبياء والرسل تكمن في النصيحة لأقوامهم وأممهم، كما جاء على لسان النبي نوح عليه السلام: في القرآن الكريم(يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين، أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون) وقول نبينا محمد عليه الصلاة والسلام: « الدِّين النَّصِيحَة »، وبايع صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة على النصح لكل مسلم، ويرى كثير من علماء الأمة وجوب النصيحة لأخيك المسلم .


أهمية النصيحة:

تكمن أهمية النصيحة بأنها وظيفة من وظائف الأنبياء، وأنها دليل على خيرية هذه الأمة، قال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} بالإضافة أنها دليل على المحبة والتآلف، قال الحارث المحاسبي رحمه الله: "اعلم أن من نصحك فقد أحبك، ومن داهنك فقد غشك، ومن لم يقبل نصيحتك فليس بأخ لك.


شروط النصيحة:

ينبغي بمقدم النصيحة إذا أراد أن تكون مثمرة ومقبولة لدى الغير، الالتزام بشروط النصيحة ومنها أن تكون مبنية على الدليل، لأن المنصوح في هذه الحالة يحتاج لدليل يقنعه لتغيير وجهة نظره تجاه فكرة معينة، وكذلك الإيجاز في النصيحة فبطولها قد يمل المنصوح ما يقلل فرص القناعة والامتثال للنصيحة، ومن المهم جداً وضوح النصيحة وتحديد الجانب الذي تقومه في المنصوح، كذلك أن تكون خاليةً من التكلف والتفاضح، وأن تكون على انفراد لا أمام الملأ أو في مكان أو موقف لا يحسن النصح فيه، القول الين فاختيار العبارات والألفاظ يعد من أسباب تقبل النصيحة من عدمها فأحسن اختيار ألفاظك تجاه المنصوح، وأخيراً أن تكون بعيدة عن سوء الظن والتقليل من شأن الآخر.


يعد البعض النصيحة اختراق لخصوصيته حيث يُقدّم العديد من النّاس نصائحهم للآخرين بشكلٍ تلقائيّ عند وقوعهم في مشكلة ما، إلّا أنّ ذلك قد يُفهم بطريقة خاطئة من قبل المنصوح؛ فيرى أنّ النصيحة تهديد لاستقلاله الذّاتيّ، كما قد يرى فيها رسالة معناها أنّ ليس بمقدوره التّعامل مع المشكلة؛ مما يُشعره بأنّه أقل كفاءة وقدرة؛ لذلك يُنصح بالاستماع لمشاكل الآخرين وإظهار التّعاطف دون تقديم النّصائح إلّا إذا طُلبت النّصيحة صراحةً.


لا لفرض الرأي:

إنّ النّصائح التّقليدية تنطوي على إخبار الآخر بما يجب عليه القيام بفعله أو ما لا يجب، أمّا النّصائح الأكثر فاعلية فهي التي لا تعتمد على فرض الرّأي، إنّما تلك التي تُوجّه طريقة تفكيره نحو النّتيجة، ويكون ذلك بطرح الأسئلة التي يسألها النّاصح لنفسه، ومنحه الفرصة للتّحدّث ضمن عدّة خيارات متاحة، ويُشار إلى أنّ هذا النّهج يعزّز بناء مهارات حلّ المشكلات عند المنصوح.

خاتمة:

من الضروري أن تعلم أخي الناصح أنه يجب عليك أن تقدر أيضاً طباع الناس وغرائزهم وأنهم ليسوا ملائكة ولا أنبياء فالخطأ موجود، والزلل حاصل، والأمر كما قال الشاعر بشار بن بُرد:

ومن ذا الذي تُرضى سجاياه كلُّها كفى المرء نُبلاً أن تُعد معايبه