كُلُّ الأشياء..!!

صفاء عبّاس

لم أعد احتمل قراءة التفاؤل المبالغ فيه، ولم أعد أطيق أن ألمح الحزن في تفشيه..!!


تنتابني رغبة في الصمت..

في التلاشي نحو اللاشيء..

في التحديق نحو الأشياء..

في تتبع الظلال.. 

في تبّصر الثقوب والندوب التي تركت آثارها على قلبي..


تستغفلني اللحظات، تستدرجني بدهاء نحو الغرق فيها دون شعور..

تباغتني أحيانًا، وأحيانًا أخرى تسحبني ببطء..

وأنا استسلم لسطوتها دون أن تنبس شفتي بأي حديث.. تخطفني، وتوغر في تقييدي بها..


فلا أنا التي فهمت ما الذي أصابها؟ ولا أنا التي انفككت من أسرها..!!


وما ينُسى لا يؤسف عليه..!!


حين تصبح كلماتنا أصدق من أفعالنا، وحين يصير الظل أكبر من صاحبه..

 وحين يتسع الظلام ليطفئ الضوء،

وتغشى المبالاة وجه الرفق واللطف،

حينما يحتد البياض مع قتامة السواد،

وتتحد الأشياء..

فيصير كل شيء سيّان.


تبقى هناك مسافة وحيدة وضئيلة بين أن نتزن أو نحترق..!!

مسافة مشدودة بين أن نمضي وننسى أو نقف لنتذكر ما نخشى نسيانه..!!


نرجو بقائه وهو  يمضي نحو تلاشيه بالرغم عنّا..

وما ينُسى لا يؤسف عليه..!!


لا ظمأ يستحثني لأسير أملاً، ولا ارتواء يكُفّني عن الترقب..!!

لم أكن أعلم كم مرّ من الوقت مُذ توقفت عن الكتابة..

وأنا أعلم  كم تنتابني معاناة الكلام المزدحم..

أوغر هذا الاكتظاظ بصدري،

وتكاد تخنقني كل هذه الحشود

من الأصوات، والوجوه، والكلمات..!!


فررت من ذاكرتي، ونفسي المكتظة بكل هذه الأشياء، ولُذتُ نحو الطرقات الوسيعة..

أسير وأسير والأصوات تتساقط من ذاكرتي، والكلمات تتلاشى من صدري..

وأنا أمد ذراعيّ كأجنحة النورس متحررة من عبء كل هذه الأشياء..


أرقبُ وجهك كالسراب من بعيد..

ولكن لا ظمأ يستحثني لأسير أملاً،

ولا ارتواء يكُفّني عن الترقب..!!


من بعدك..

حياتي أصبحت أكثر تعقيدًا وأقل مساومة،

فلا وقت فارغ يدفعني للتذكر، ولا ذاكرة لدي تستسلم للفراغ..

لم يعد لدي متسعٌ سوى للآن..!!


لم تكن سوى رغبةٍ حقيقيةٍ للحياة مجددًا..!!

لقد تركت عاداتي المفرطة في السهر واحتساء القهوة..

هجرتُ القراءة زمنًا..

وانكففت على تتبع الوجوه والأصوات والكلمات في كل مشهدٍ سينمائي يخطفني من ذاتي..

أظل أحدّق في عين كل مُحب..

أُحبس في بعثرة أصواتهم التي لا تعنيني ولا تعرفني..

ولكن بطريقةٍ ما كانت كلماتهم تحدثني..

تحكيني بصورةٍ ناطقة.. بتجسيد تام للكلمات والمشاعر..

تخاطب كل الحشود التي أخفيتها وأخفتني داخل نفسي.. تلك التي كنت أواريها بأسماءٍ ذات دلالات مغايرة؛

كيلا يتعرف عليها أحد، ولئلا يقترب منها أحد..

هذه الحشود التي امتلأتُ بها وظلت تلوح بصمت نحوي..

نحو كل الأشياء التي تغيرت فيَّ..

وكل الأشياء التي غيرتني..

وكل الأشياء التي تركتها..

وكل الأشياء التي تركتني..


التي لم تكن سوى رغبةٍ حقيقيةٍ للحياة مجددًا..!!



إذا وددت أن تقول شيئًا، فأنا في انتظارك: