منذ أن رحلتي يا أمي .. يا جميلة الجميلات .. دون الله .. كل شيءٍ مات .. فاختلطت بي النظرات .. و اختلفت علىّ العادات .. و امتدت بي الأوقات .. و ارتدّت بي المساحات ..


منذ أن رحلتي يا أمي .. وجدت راحتي في المطارات .. و المواصلة بين الرحلات .. وجدت راحتي في ختم الجوازات .. و الإنتظار في الصالات .. و جمع الصلوات .. و سماع النداء الأخير في المكبرات .. وجدت راحتي في التوجه عبر الممرات .. إلى بطون الطائرات .. و الإلتصاق بالنوافذ المستديرات .. و سماع بكاء الصغيرات .. و دعاء السفر و الإنصات .. وجدت راحتي في تعالي أصوات المحركات .. و ارتعاش الهيكل و خفوت الإضاءات .. و تسارع النبضات .. و ارتفاع الإطارات عن المسارات .. و تباطؤ الساعات .. و تلاوة الآيات .. وجدت راحتي في انشغالي عما يحدث في الأرض تحتي .. بما أرجوا من ربّ السماوات ..


أمي ! .. لم أفعل ذلك لنسيانك .. هيهات ! .. إنما شوقاً .. لأن أرى طهرك مجدّداً .. في السحب العاليات .. و عينيك في لمعان البحيرات .. و شعرك في مصابّ الشلالات .. و كرمك في وسع المحيطات .. و حسنك في الحقول الرابيات .. و رفعتك في القمم الشامخات .. شوقاً يا أمي .. لأن أسمع صوتك بين اللغات .. و همسك بين اللهجات .. و اسمك في اللكنات .. و وصفك في الروايات .. و رسمك في الثقافات .. و وسمك في الحضارات .. شوقاً يا أمي .. لأن أستشعر أنفاسك في الطرقات .. و ألاحق نعومتك في الفراشات .. و أشم عبيرك في الوردات .. و أقبّل جبينك في البتلات .. و لأرى ابتسامتك مجدّدا .. في شمس كل يومٍ آت ..

اشتقت إليك كثيراً يا أمي .. بما لا تعبر عنه الكلمات ..

Join