قبل المشروع الريادي

مقالة مترجمة لپول قرام  

 

أكتوبر ٢٠١٤

 

(هذه المقالة مأخوذة من محاضرة أجريتها في مادة سام ألتمن للمشاريع الريادية بجامعة ستانفورد، وهي موجهة لطلاب الجامعات ولكن أيضًا أغلبها مناسب لكل المهتمين ببدء مشروع ريادي)

 

 

أحد ميزات أن يكون لك أبناء هو أنك إذا أردت أن تعطي نصيحة لأي أحد، يمكنك أن تسأل نفسك " بماذا سأنصح أبنائي". أبنائي لا زالوا صغار لكن يمكنني تخيل ما سأقول لهم عن المشاريع الريادية عندما يصبحون في الجامعة، وذلك هو ما سأخبركم به.


المشاريع الريادية تخالف الحدس، لا أعلم لما، ربما لأن العلم حولها لم يصل إلى ثقافتنا بعد. أيًّا كان السبب، أن تبدأ مشروع ريادي هي رحلة لا يمكن أن تثق بحدسك وأنت تخوضها. هي مثل التزحلق على الثلج، عندما تحاول التزحلق لأول مرة وتريد أن تخفف السرعة، ستقول لك غرائزك أن تميل للخلف ولكن إن ملت للخلف فستفقد السيطرة وتسقط. جزء من من تعلم التزحلق يكمن في قمع تلك النزعة لاتباع غرائزك وحدسك. في نهاية الأمر سوف تكتسب عادة جديدة ولكن في البداية سيتطلب منك هذا مجهود ذهني وسيتوجب عليك أن تتذكر بعض الأشياء لكي تتزحلق بأمان.

 

-المشاريع الريادية هي أمر غير طبيعي مثل التزلج، وهناك أشياء يجب أن تتذكرها عنها. وهنا سأقوم بمشاركتكم أول جزء منها - الأشياء الواجب تذكرها إن أردت تجهيز نفسك لبدء مشروع ريادي.

 

مُخالِفة للحدس

 

أول جزئية ،وقد ذكرتها بالفعل، هي أن المشاريع الريادية غريبة جدا لدرجة أنك لو وثقت بغرائزك فيها فستقوم بارتكاب الكثير من الأخطاء. إن لم تكن تعرف اكثر من هذه المعلومة فربما ستقوم بالتوقف للحظة قبل ارتكاب الأخطاء. عندما كنت أدير واي سي كنت أمزح وأقول أن وظيفتنا الأساسية هي أن نخبر مؤسسي المشاريع الريادية عن أمور سيتجاهلونها وفي الحقيقة هذا فعلا ما نقوم به. في كل دفعات المسرعة، يقوم المرشدين بتحذير المؤسسين عن أخطاء هم على وشك ارتكابها ولكن يتجاهلهم المؤسسون ثم يعودون بعد سنة ويقولون ليتنا استمعنا لكم.

لماذا يقوم المؤسسون بتجاهل نصائح المرشدين؟ هنا تأتي حقيقة أن المشاريع الريادية معارضة للحدس، تبدو نصائح المرشدين خاطئة لذلك يقوم المؤسس بتجاهلها. ورغم أني أمزح بشأن وظيفتنا، هي في الحقيقة سبب وجودنا. إذا كان حدس المؤسسين كفيل بإعطائهم الحلول الصحيحة، لما كان لنا وجود لأنهم لن يحتاجو لنا. أنت تحتاج فقط إلى نصائح ستفاجئك، ولذلك يوجد الكثير من مدربي التزحلق والقليل من مدربي الركض.

 

ولكن بالطبع يمكنك أن تثق بحدسك تجاه الأشخاص وفي الحقيقة عدم فعل ذلك هو من أكثر الاخطاء الشائعة التي يقوم بها المؤسسين الجدد، يرضون بأن يعمل معهم أشخاص قد يبدون مذهلين رغم أنهم في نفس الوقت ليسوا مرتاحين تماما لهؤلاء الأشخاص، وعندما ينتهي الأمر بشكل سيء يقولون "كنت أعلم أن هنالك شيء مريب بشأنه ولكني تجاهلت ذلك لأنه بدا لي مذهلًا في البداية".

عندما تفكر أن تعمل مع أحدهم - شريك مؤسس، موظف، مستثمر أو مستحوذ-  وتشعر بأمر مريب تجاهه، ثق بحدسك. إذا شعرت بأن شخص ما خبيث أو مزيف أو أحمق، لا تتجاهل هذا الإحساس. هذه احدى الحالات التي يكون من المربح فيها ان تكون أنانيا بعض الشيء وتبحث عن راحة نفسك. اعمل مع أشخاص يعجبونك بصدق، وأن تكون عرفتهم لفترة كافية حتى تتأكد من ذلك.

 

الخِبرة

 

الأمر الثاني المخالف للحدس هو أنك لست بحاجة لمعرفة الكثير عن ريادة الأعمال وطبيعة إنشاء الشركات. الطريقة الصحيحة للنجاح في مشروعك الريادي هي ليست بأن تكون خبيرًا في المشاريع الريادية بل أن تكون خبيرًا في معرفة مستخدميك والمشاكل التي تحلها. مارك زكربيرغ (مؤسس فيسبوك) لم ينجح لأنه كان خبير في المشاريع الريادية بل نجح رغم كونه مبتدئ تمامًا في هذا الأمر، سبب نجاحه الأساسي هو أنه فهم مستخدميه بشكل ممتاز.

على سبيل المثال، لا تشعر بالسوء إن كنت لا تعرف أي شيء عن بدء جولة استثمارية. هذه أشياء يمكنك تعلمها عندما تكون بحاجة إليها وتقوم بنسيانها فور أن تنتهي منها. في الحقيقة، أعتقد أنه ليس فقط من عدم الضروري معرفة الكثير عن المشاريع الريادية بل ربما معرفة الكثير عنها قد يكون أمرًا مضرًا. إذا قابلتُ طالب جامعة يعلم الكثير عن الأوراق القابلة للتحويل أو عن عقود المؤسسين أو أنه متعمق في أسهم الشركات الناشئة، لن أشعر بأنه متقدم على أقرانه بل سيكون هذا أمر مثيرًا للحذر، لأن أحد الأخطاء المعروفة بين المؤسسين الجدد هو أنهم يخوضون كثيرا في رحلة تأسيس المشروع الريادي. يأتون بفكرة تطرب السامعين، يحصلون على استثمار بتقييم جيد، يستأجرون مكتبًا رائعًا و يوظفون بعض الأشخاص. لكن بعد هذا كله، يبدءون بإدراك المصيبة التي هم فيها، بينما كانوا يخوضون في هذه الرحلة ويقومون باتباع الشكليات في عالم ريادة الأعمال، نسوا أمرا واحد أساسيًا: أن يقوموا بصنع شيء يحتاج له الناس حقًا.

 

لعبة

 

رأينا هذه الحالة تحصل كثيرا لدرجة أننا أطلقنا عليها اسمًا: بيت اللعِب

في نهاية الأمر استوعبت لماذا يحصل هذا، السبب الي يجعل رواد الأعمال الشباب يخوضون في رحلة الريادة الوهمية هذه هو أنه تم تدريبهم على عمل ذلك طوال حياتهم. عندما تذهب إلى الجامعة، يتم تشجيعك للمشاركة في الأنشطة اللاصفية بينما المحاضرات الدراسية تكون اصطناعية و واضحة جدًا.

 

أنا لا أهاجم النظام التعليمي، دائمًا ما سيكون هناك نسبة تزييف في عملك أثناء فترة تعليمك إياه. فعندما تقوم بقياس أداء الناس، سيحاول الكثير منهم استغلال الفرق بين العمل الحقيقي والعمل المزيف لدرجة أن آخر ما تقيسه سيكون مقدار الزيف. وأعترف أني فعلت ذلك أيضًا في المرحلة الجامعية، وجدت أن في معظم المواد لا توجد إلا ٢٠ أو ٣٠ فكرة يمكن أن تكون أسئلة اختبار ولذلك كنت أتجهز للاختبار ليس عبر فهم المادة بل عن طريق تحديد هذه الأسئلة وفهم طريقة حلها. عندما أدخل قاعة الاختبار، كنت أتسائل أي سؤال سيأتي لي، كانت مثل لعبة.

 

ليس من المفاجئ أنه بعد أن تم تدريبهم على لعب مثل هذه الألعاب، يكون أول فعل لرواد الأعمال الشباب أن يبحثوا عن الخِدع التي يمكن أن يفوزوا بها في هذه اللعبة الجديدة. وبحكم أن الاستثمار يبدو هو المعيار النجاح للمشاريع الناجحة (هو ليس كذلك، هذا خطأ مستجدين) سيرغبون بمعرفة الطرق والخِدع لإقناع المستثمرين ولكن نقول لهم في العادة أن أفضل طريقة لإقناع مستثمر هي عن طريق إنشاء مشروع ريادي يعمل بطريقة صحيحة، بمعنى أنه ينمو بسرعة ومن ثم، وبكل بساطة، إخبار المستثمرين بذلك. بعد ذلك سيبحث رواد الأعمال الشباب عن الطرق التي تجعل المشروع ينمو بسرعة ونضطر لإخبارهم أن أفضل طريقة لعمل ذلك هو أن تقوم بصنع شيء يرغب به الناس حقًا.

كثير من المحادثات التي يجريها مرشدي واي سي مع رواد الأعمال الجدد تبدأ ب"كيف أقوم بعمل..." ويقوم الشريك بالرد "فقط قم ب.."

 

لماذا يميل رواد الأعمال إلى تعقيد الأمور؟ استوعبت أن السبب أنهم يبحثون عن الخِدعة أو الطريق المختصر وهذا هو الأمر الثالث المعارض للحدس: لا توجد ألعاب في المشاريع الريادية

تلعيب النظام قد يصلح في حال كنت تعمل في شركة كبيرة، واعتمادًا على مدى ضعف الشركة، يمكن النجاح عبر تملّق شخصٍ ما أو إعطاء إيحاء أنك تعمل بجد أو غيرها من الطرق. لكن هذا لن ينفع في المشاريع الريادية، ليس لديك رئيس لتخدعه، لديك فقط مستخدمين وعملاء، وكل ما يهتم به هؤلاء أن مشروعك يقوم بعمل ما يريدون. يجب عليك أن تقوم بصنع شيء يرغب به الناس، ونجاحك يتعمد على مدى اقترابك لذلك.

 

الشيء الخطير هو أن التزييف قد ينطلي لدرجة ما على المستثمرين. إذا كنت شخص متمكن في ادعاء انك تعلم ما تتحدث به، يمكنك استغفال المستثمرين لجولة استثمارية أو جولتين ولكن ليس من صالحك أن تقوم بعمل ذلك لأن الشركة سيكون مصيرها الهلاك وأنت فقط تضيع وقتك. فلتتوقف عن البحث عن الخدعة، بكل تأكيد توجد خدع في ريادة الأعمال كما يوجد في باقي المجالات ولكنها أقل أهمية بأضعاف من حل المشكلة الحقيقية. رائد أعمال لا يعلم شيء عن التمويل ولكن تمكن من صنع شيء يحبه المستخدمون سيكون الحصول على التمويل بالنسبة  له أسهل بكثير من رائد أعمال يعرف كل الخدع ولكن لا يملك مستخدمين. وبكل تأكيد، الذي لديه شيء يحبه المستخدمون سيكون الشخص الذي ينجح أخيرًا بعد الحصول على التمويل.

 

قد يكون شيء سيءً أن تُسلب منك هذه القوة، قوة اللعب بالنظام ولكن في نفس الوقت أعتقد أنه أمر مثير جدًا، من المثير جدًا وجود أشياء في العالم لا يمكنك الفوز بها الا بالعمل الجيد والاجتهاد. تخيل كم سيكون العالم كئيبًا إذا كان كله مثل المدارس والشركات الكبيرةً، حيث يجب عليك أن تقوم بعمل أشياء غير مهمة أو انك ستخسر لأشخاص يقومون بها. أثناء تواجدي في الجامعة كنت سأشعر بالبهجة لو علمت أن هناك أماكن ليس مهمٌ كثيرا فيها اللعب على النظام وأماكن أخرى ليس مهم إطلاقًا، وبالفعل هناك أماكن مثل هذه، وهذا الاختلاف في الأماكن مهم جدًا في التفكير بمستقبلك، كيف تفوز بكل نوع منها؟ وبمذا تود أن تفوز

 

تستهلكك


هنا نصل للأمر الرابع المنافي لما هو طبيعي: المشاريع الريادية ستستهلكك كلك، ستمثل جزء كبير من حياتك بشكل لا تتصوره وإذا نجح مشروعك الريادي، سيستهلك لفترة طويلة من عمرك، لعدة سنين على أقل حد وربما لعقد وربما لبقية حياتك المهنية. تكلفة الفرصة هذه أمر لا يستهان به.

قد يبدو لك لاري بيج (مؤسس قوقل) أنه يعيش حياة يُحسد عليها، ولكن هناك جزء آخر من حياته لا يُحسد عليه، بعمر الخامسة والعشرين بدأ بالجري بأسرع ما لديه ويبدو أنه لم يتوقف لاستراحة منذ ذلك الحين. كل يوم تحصل الكثير من المشاكل في امبراطورية قوقل لا يمكن ان يقوم بحلها إلا الرئيس التنفيذي، وكون لاري بيج الرئيس التنفيذي، يجب عليه حلها. إذا ذهب لعطلة ولو لأسبوع واحد فقط، يتراكم عليه عمل أسبوع عندما يعود ويجب عليه تحمل هذا كله دون تذمر وذلك لكونه  "أب" للشركة، يجب عليه ألا يبدي الخوف أو الضعف، وفي الجانب الآخر كونه مليارديري والناس لا يتعاطفون مع من لديه الكثير من النقود، خاصة إذا تذمروا من صعوبة حياتهم. وهذا أحد الاثار الجانبية الغريبة، لا أحد يستطيع فهم صعوبة كون المرء مؤسس مشروع ريادي ناجح إلا من فعلها.

 

إلى الان، واي سي قامت بتمويل عدة مشاريع ريادية يمكن القول انها نجحت نجاحًا باهرًا، وكل مؤسس في هذه المشاريع يقول النفس الشيء، الأمر يزداد صعوبة، طبيعة المشاكل تتغير، بينما كنت تقلق في الماضي على مكيف المكتب، تقلق الآن على التأخير في بناء مكتبك في لندن. القلق لن يقل بل سيزيد على الأغلب.

 

بدء مشروع ريادي ناجح هو مثل إنجاب الأطفال، وكأنك تقوم بضغط زر يقوم بتغيير حياتك ولا يمكن التراجع عنه. ورغم أنه من الرائع والجميل جدًا ان يكون لك أطفال، هناك أشياء يكون من الأسهل القيام بها قبل أن يأتون وكثير منها سيجعلك والدًا أفضل عندما ترزق بالأطفال. ولأنه يمكنك أن تتأخر في ضغط الزر، أغلب الناس في الدول الغنية يقومون بفعل ذلك.

ولكن عندما يتعلق الموضوع بالمشاريع الريادية، يظن الناس أنه من المفترض أن يبدأونها وهم في الجامعة. هل أنت مجنون؟ وماذا تفعل الجامعات؟ تقوم بتوفير امور تمنع الطلاب من أن ينجبوا الأطفال وفي نفس الوقت تقوم ببدء برامج ريادة أعمال وحاضنات أعمال يمنة ويسرة. ولأكون منصفًا، ذراع الجامعة تُلوى هنا، الكثير من الطلاب مهتمين بالمشاريع الريادية، والمتوقع من الجامعات أن تقوم بتجهيز الطلاب لما يريدون أن يكملو مسيرتهم المهنية فيه. فالطلاب الذين يريدون بدء مشروع ريادي يأملون أن تقوم الجامعة بتعليمهم ذلك.

هل يمكن للجامعات أن تعلم الطلاب ريادة الأعمال؟ نعم ولا. الجامعات يمكنها تعليم الطلاب عن المشاريع الريادية ولكن كما وضّحت من قبل هذا ليس الذي من المفترض ان تعرفه، ما عليك معرفته هو احتياجات مستخدميك ولا يمكنك معرفة ذلك حتى تقوم ببدء مشروعك. لذا بدء مشروع ريادي هو الطريقة الوحيدة لتعلم كيف تقوم به، وهو أمر مستحيلٌ القيام به أثناء الدراسة في الجامعة ولذلك للسبب الذي ذكرته: المشاريع الريادية تستهلك حياتك. لا يمكنك أن تبدأ مشروع ريادي ناجح كطالب لأنك ان فعلت لن تكون طالبًا، ربما تكون طالبا بالمسمى لفترة من الزمن ولكن لن يطول ذلك.

بعدما تبين لنا عدم التوافق بين ريادة الأعمال والدراسة، أي المسارين يجب عليك أن تختار؟ أن تكون طالبًا حقيقيًا وألا تبدأ مشروع ريادي أو أن تبدأ مشروع ريادي حقيقي وألا تكون طالبا؟ يمكنني أن أجيب لكم على ذلك، لا تبدأ مشروع ريادي وأنت في الجامعة. بدء مشروع ريادي ماهو إلا جزء من مشكلة أكبر أنت تحاول حلها، ألا وهي كيف تعيش حياة جيدة. ربما بدء مشروع يكون جزء من حياة طيبة بالنسبة لكثير من الناس الطموحين ولكن عمر ال20 ليس هو الوقت المثالي لفعل ذلك. يجب عليك أن تترك خياراتك مفتوحة وتستكشف. يمكنك فعل الكثير من الأمور في بدءية العشرينات والتي لن يمكنك فعلها قبل ذلك أو بعده، مثل أن تنشغل تماما بمشروع جامعي أو أن تسافر بتكاليف منخفضة جدا وألا تقلق بأمر المواعيد.

 

مارك زكربيرغ لن يستطيع أبدًا الترحال في دولة اجنبية، ولكن يمكنه فعل ما لا يستطيع معظم الناس فعله، ان يسافر بطيارة خاصة الى دول اجنبية. النجاح سلب من منه الكثير من حرية الاستكشاف والتفاجؤ. فيسبوك تدير مارك بقدر ماهو يديرها. وقد يبدو من الرائع أن تكون في قبضة مشروع تعتبره مشروع حياتك ولكن للحرية والاستكشاف مزايا خاصة في أول حياتك لأنها تمنحك خيارات أكثر لتنتقي منها مشروع حياتك.

ليس هناك تضحية هنا، لست تضحي بأي شيء إذا تخليت عن بدء مشروعك في عمرالعشرين لأن فرص نجاحك غالبا ستزيد إذا انتظرت. في حالة أن احد مشاريعك الجانبية ظهرت عليه بوادر النجاح، مثل ما حصل مع فيسبوك، سيكون لديك الخيار بأن تستمر به أو أن تتركه وقد يبدو لك أنه من المنطقي أن تستمر، ولكن عادة تنجح المشاريع إذا قام المؤسسون بإنجاحها، ومن الحماقة أن تقوم بذلك في سن ال20.

 

جرّب

 

هل من المفترض أن تقوم ببدء مشروع على الإطلاق؟ أنا أعلم أني جعلت من بدء مشروع ريادي يبدو كمهمة صعبة، إن لم يصلك هذا الشعور فدعني أحاول مرة أخرى: بدء مشروع ريادي هو أمر صعب جدًا. ماذا لو كان صعبًا اكثر من اللازم؟ كيف تعلم أنك أهل لهذا التحدي؟

الجواب هو الجزئية الخامسة من كون المشاريع الريادية مخالفة للحدس: لا يمكنك أن تعرف. حياتك حتى الآن منحتك فكرة عن احتمالية نجاحك في أن تصبح عالم رياضيات أو لاعب كرة قدم محترف، وباستثناء أن تكون عشت حياة مختلفة جدًا عن أغلب الناس، لم تقم بعمل شيء يشبه أن تكون مؤسس لمشروع ريادي. بدء مشروع ريادي سيغيرك كثيرًا، لذلك ما تحاول تقدريه ليس فقط أنت، بل ما ستنضج وتصبح عليه، ومن يمكنه أن يفعل ذلك؟

في السنوات التسع الماضية، كانت وظيفتي أن أتنبأ بما إذا كان الأشخاص لديهم ما يتطلبه بدء مشروع ريادي ناجح. من السهل جدًا معرفة مقدار ذكائهم، وأغلب من يقرأ هذه المقالة يتجاوز حد الذكاء المطلوب. الجزء الصعب كان التنبؤ بمقدار طموحهم وقدرتهم على التحمل. على الأغلب، ليس هنالك أحد أكثر خبرة مني في محاولة تنبئ ذلك، ويمكنني إخباركم مقدار ما يمكن للخبير معرفته في ذلك: ليس الكثير.

تعلمت أن أبقي عقلي مفتوحًا تجاه توقع أي المشاريع المتقدمة ستلمع مستقبلًا. في بعض الأحيان يظن المؤسسون أنهم يعلمون، البعض يأتي إلى واي سي واثق بقدرته على النجاح، مثلما استطاع النجاح في الاختبارات القليلة، المصطنعة و السهلة التي مرت عليه في حياته. والبعض الآخر لا يعملون كيف وصلوا إلى واي سي، ويأملون ألا تكتشف واي سي الخطأ الذي ارتكبته لقبولهم. ولكن في النهاية لا توجد علاقة بين الشعور الأولي للمؤسسين عند قدومهم، وكيف تؤدي شركاتهم.

قرأت نفس الشيء عن الجيش، أن فرصة المجنَدين المهايطيين أن يصبحوا أكفّاء ليست أعلى من فرصة المجنَدين الهادئين. وغالبًا لنفس السبب: الاختبارت التي يخوضونها مختلفة تماما عما خاضوه في حياتهم. إذا كنت مرتعبًا من فكرة بدء مشروع ريادي، فلا تفعله. ولكن إن كان الموضوع يتعلق بعدم معرفتك بقدرتك على فعلها أم لا، فعليك أن تجرّب ولكن ليس الآن.

الأفكار..إذا أردت بدء مشروع ريادي في يوم ما، ماذا يجب عليك أن تدرس في الجامعة؟ مبدأيًأ أنت تحتاج إلى أمرين: فكرة وشركاء مؤسسين، و الام او لتحصل على الإثنين هو نفسه. هذا يقودنا لسادس وآخر نقطة في كون المشاريع الريادية منافية للطبيعة: الطريقة لبدء مشروع ريادي هي ليست بأن تقوم بالتفكير بأفكار ريادية، كتبت مقالة كاملة أتحدث فيها عن هذا الموضوع ولن أقوم بتكريرها كاملة هنا. النسخة القصيرة منها هي أنك إذا قمت بمجهود ذهني للخروج بأفكار لمشاريع، فلن تكون الأفكار سيئة فقط، بس ستكون سيئة بهيئة أفكار جيدة، بمعنى أنك ستقوم بإضاعة الوقت عليها قبل أن تدرك أنها سيئة.

 

طريقة الإتيان بأفكار جيدة هي أن تأخذ خطوة للخلف، بدل أن تقوم بمجهود ذهني للتفكير، اجعل من من عقلك مكان تظهر فيه الأفكار بدون مجهود ذهني، لدرجة أنك لا تدرك في بادئ الأمر أنها أفكار لمشاريع ريادية. هذا ليس فقط شيء قابل للتحقيق، بل أن آبل، ياهو، قوقل وفيسبوك بدأوا بهذه الطريقة. لم يكن هدف المؤسسين أن تكون هذه الأفكار، شركات. أفضل المشاريع الريادية غالبًا ما تبدأ كمشروع جانبي، لأن الأفكار العظيمة تكون خارجة عن المألوف لدرجة أن عقلك سيرفض كونها فكرة لشركة.

 

حسنًا، كيف تجعل من عقلك مكانًا تتكون فيه الأفكار الريادية بدون مجهود ذهني؟ (1) تعلم الكثير عن الأشياء المهمة، ثم (2) اعمل على حل مشاكل تهمك (3) مع أشخاص يعجبونك وتحترمهم. يصادف أن الجزئية الثالثة هي الطريقة التي تحصل بها على شركاء مؤسسين و وفكرة في آن واحد. أول ما كتبت هذا النص، بدل أن أستخدم "تعلم الكثير عن الأشياء المهمة" كتبت "كن جيدا في نوع ما من التقنية" لكن هذا الوصف، رغم أنه كاف، لكنه ضيق جدًا.

 

الذي كان مميزًا بشأن براين تشسكي و جو قبيا (مؤسسي Airbnb ) ليس أنهم خبراء في تقنية معينة، بل كانوا مصممين جيدين وربما أهم من ذلك، كانوا جيدين في تنظيم المجموعات وتنفيذ المشاريع. لذلك ليس عليك بالضرورة أن تعمل على تقنية طالما تعمل على مشكلة متطلبة جدا لدرجة أنها تأخذك لحدودك. ما نوع هذه المشاكل؟ تصعب الإجابة على هذا بشكل عام.

 

التاريخ مليء بأملثلة لشباب كان يعملون على مشكلات مهمة لم يعتقد أحد أخر أنها امهمة، والديهم بالتحديد. وعلى الجانب الاخر، التاريخ أكثر امتلاء بأمثلة لآباء ظنوا أن أبنائهم يضيعون وقتهم في أفكار غير مهمة، وكانوا على حق. إذا كيف تعرف أنك تعمل على شيء حقيقي؟ أنا شخصيًا أعلم كيف أعلم، المشاكل الحقيقة مثيرة للاهتمام، وأشعر باللذة الأنانية أنني أريد دائما العمل على أمور مثيرة للاهتمام، حتى لو لم يهتم بشأنها أحد (في الحقيقة، خاصة لو لم يهتم بها أحد)، وأجد أنه من الصعب جدا بالنسبة لي أن أعمل على أشياء مملة، حتى لو كانت تعتبر مهمة.

حياتي ممتلئة بحالات أكون فيها قد بدأت العمل على شيء فقط لأنه مثير للاهتمام، ويظهر في آخر الأمر أنه مفيد عالميًا. واي كومبينيتر بحد ذاتها شيء عملت عليه لأنه بدا مثيرًا للاهتمام. يبدو أن لدي بوصلة داخلية تساعدني على اختيار الأفكار التي أعمل عليها. أنا لا أعلم عما يدور في عقول الأخرين، ربما لو أفكر بالموضوع أكثر سأستطيع أن أجد الخصال التي تجعل من المشكلة، مشكلة مثير للاهتمام، ولكن النصيحة التي أستطيع منحها في الوقت الحالي لهذه المعضلة هي إن كان لك ذوق في اختيار المشاكل المثيرة للاهتمام، اغمر نفسك وطاقتك فيها، هذه أفضل طريقة لتجهيز نفسك لمشروع ريادي، وربما أفضل طريقة للعيش أيضًا.


  • لم تتم مراجعة هذه المقالة, في حال كان لديك ملاحظة أو فكرة قد تسهل من تجربة قرائتها, تواصل معي على yt.alesayi@gmail.com

        

Join