مقعد التلميذ الخاص بي
انطلاقًا من عملي كمعملة أطفال أعتقد أنه لا يمكن فصل التعليم -تعليم الأطفال- عن الأمومة،و هذا الجزء البسيط من الأمومة في عمل المعلمة لا يتم اكتسابه من المقررات التي تدرس في كلية التربية! بل هو شيء يضيفه الأطفال لها بإبتساماتهم،ليس لها فقط بل لطريقة تعليمها و تعزيزها أيضًا،و ينتقل أثره على طريقة تعاملها مع مشاكل الأطفال لا كمعيقات لتقدم عمليتها التعليمية بل كحاجات غير مشبعة لدى الأطفال …
أن تكون معلم يعني أن تمتلك ذلك الشعور و كأن العالم هو مدرستك،تجد نفسك في مقعد التلميذ و تارة في مقعد المعلم،متى ما اتقنت الدرس أصبحت في مقعد المعلم،لتنقل علمك لأولئك الذين لازالوا في مقاعد التلاميذ،مهنة المعلم تختلف عن باقي المهن فهي ليست من نوع المهن الذي تستطيع تركه على مكتبك في آخر اليوم و تغادر! كونك المعلم أشبه بسمة شخصية تلازمك مدى الحياة.
"المعلم الجيد هو التلميذ الجيد"
حكيم
لأن كونك معلم جيد هو نتيجة لحظات كنت فيها متعلم جيد من الحياة و دروسها،لا أعتقد أنه باستطاعة أي معلم فصل تجربته كتلميذ سابق عن تجربته كمعلم الآن،أعتقد أن دورك كمعلم هو اشبه بامتداد لطريقة تعلمك،بالنسبة لي لقد تعلمت من الأطفال كيف أعلمهم بشكل أفضل!
أعتقد كمعلم/ة ستجد نفسك في مرحلة ما تملك مستوى عالي من الوعي بالدروس التي تقدمها الحياة لك،و ستجد دائمًا مقعد التلميذ المناسب لك..
و الحديث عن دور المعلم كتلميذ في الحياة يقود للحديث عن التفكير لارتباطه الوثيق بالتعلم،يؤسفني أن بعض البالغين لا يدركون كيف يؤثر نمط تفكيرهم على تعلمهم و بالتالي على آدائهم لوظائفهم،برأيي أن أول خطوة لتطوير معرفتك هي أن تعي بنمط تفكيرك و مدى تأثيره على عملك! بالنسبة لي التشكيك و السؤال الدائم جعلني مرنة فيما يتعلق بالتعلم من الأصغر سنًا و الأقل خبرة،و أدى ذلك لشعوري بالراحة اتجاه أخطائي أثناء تعلمي فأصبحت أنظر للخطأ كخطوة أقرب للنجاح لا كعائق بيني و بينه،و اعتبرت الفشل هو البقاء في نفس المكان مدى الحياة خوفًا من الفشل! لقد ساعدتني هذه الخطوة في التعلم من أطفالي كيفية تعليمهم بشكل أفضل!
و لا أخفيك أن هذا النمط من التفكير انتقل إلى طريقة تعليمي للأطفال،فالمحاولة و الخطأ تعزز بقدر ما المحاولة و النجاح تعزز..
و أعتقد أنه يجب احترام المحاولات الخاطئة؛لأنها تعني أن الفرد مازال يحاول التعلم و يجب عليه ألا يخجل من محاولاته الخاطئة،لأن ثلاث محاولات خاطئة تعتبر تعلم بقدر ما محاولة واحدة ناجحة تعتبر تعلم!
ربما يعترض البعض لأن العملية التعليمية في المدارس لها وقت محدد،ولكن ضع في عين الإعتبار أن التعلم لا يكون في المدارس فقط! و أن المحاولة و الخطأ هي من الطرق الفعالة للتعلم من الحياة الواقعية،و لن نجد محاولة و خطأ في حال إعتبرنا في مدارسنا الخطأ فشل! على الرغم من أن الخطأ في المدارس ليس مسؤولية التلميذ وحده بل الجميع.
تذكر الوقت الموجود دائمًا للتعلم،و الموجود للفروقات بيننا،في وقتنا متسع دائمًا لتعلم شيء جديد و للمحاولة من جديد..
فكر في الإختراعات التي غيرت العالم و كم محاولة و خطأ احتاجات! كم محاولة خاطئة احتاج أديسون لإضاءة مصباح؟
أخيرًا عندما تصبح معلم/ة لا يوجد تراجع و لا تقاعد،ستكون دائمًا معلم و تلميذ.