كي لا تتوقف يدي عن الكتابة.
أهلاً ومرحباً..
كتبتُ يوماً هُنا: أنكبُّ على الكتابة في أسوأ أيامي كوجبةٍ يوميَّة أو كدواءٍ يجبُ تكرارهُ ثلاث مرات.
أرجعُ الآن لأُثبت ذلك، لأُشير إلى الكتابة بوصفها مُنقذي، ركيزتي التي بوسعي أن أعتدَّ فيها إلى الأبد.
بعد انقطاعٍ دام ٩ أشهُر عن التدوين، أعود اليوم لأكتب مُجدداً عن "الوِحدة" بشكلها الحقيقي والملموس.
عن المعاني المختلفة للوِحدة في نظرنا جميعاً، المُتشابهه في مشاعرها وحدها، أعود لأكتب عن وِحدة هذه الأيام تحديداً، وعن كل الأيادي التي أشارت لي بهذا أو أخذتني إليه..
أعرف جيداً ملامح النهايات، ورُبما لم أتمرّس البدايات كما أتقنتُ حفظي لشكل النهاية، أيُّ نهاية، لنسجها خيوط المدخل الذي ستنفذ عيناً منه، لتلصصها علينا من بعيد، لصخب ضحكاتها الساخرة، لتمهيدها الدخول بأي طريقة، لرائحتها، ثم لتبعاتها، لِمَا هو بعدها، لِما ستخلّفه، أحفظها غيباً وأعرف حتى شكل ظلّها.
لكنّ مُعضلتي الأكبر تكمُن في المساحة الغامِرة، الواسعة، بين نهاية مرحلة وبداية أُخرى، هذه المساحة بالذات -التي لا تعرف مُدتها- كبيرةٌ بطريقةٍ موحشة، بطريقةٍ تكفي كلَّ السّواد، تكفي لتشعُر معها أنك خاوٍ ووحيدٌ وصغيـــــر في دُنيا ممتلئة بكل ماهو أكبر منك، بكل ما هو قادرٌ على دهسك دفعةً واحدة، كبيرةٌ ويملؤها الصدى الذي لن يكفي لمحوِه صوت هُتافك وحده، وإن عَلَا، كبيرة ولن يبدو كافياً أبداً لسدِّها أن تجلب أصدقاءك الثلاثة وعائلتك وكُتبك فتغدو آنذاك مساحةً آمنةً، وحنونةً ودافئة.
هي مُتسعة، لا يستطيع المرء رؤية نهايات أطرافها لكنها في ذات الوقت ضيقةٌ جداً بالقدر الخانق الذي لا يَسمح بحصول شيءٍ جيّدٍ صغير، لا يَسمح لبُقعة لونٍ أبيض واحدة على الأقل بالتواجد!
بتُّ اليوم أعرف يقيناً أن هذه المرحلة هي الوجه الآخر للوِحدة، بصقيعها، بصداها، بأفكارها، بكافّة اتساعها المُريع الذي لا يُملأ، هذا الاتساع الوافِر الذي تختار معهُ أن تنكمش في رُكنٍ صغير آمناً على أن تركض حُراً بخفَّةٍ وأنت تُغني، هذا الاتساع الذي لا يشبه قطعاً الحريّة، ولا السماء، ولا البحر، ولا حتى الصحراء..
الشعور الذي تقف أمامه وَجِلاً، يشبه تماماً شكل هذه المرحلة التي تسعى جاهداً لجعل أيامها مألوفة، لها وجهٌ مُطمئِن يشبه وجه أيامك الروتينيّة.
هذه الأيام هي التي يجب أن تقرر وحدها أن تنتهي، أن تنفد، ربما بوسعك فقط أن تمشي الظُلمة كاملة حتى إن كنت تشعر بك تتحرك في مكانك، من المهم أن تمشي.
قد تجعلها عزيمتك أقل سطوة، أقصر مسافة، قد تتقلَّص، تصغُر أو تختفي فحسب ويلوُح لك من بعيد كل الذي كنت في انتظاره، رُبما تتوقف الحياة عن الاشاحة بوجهها عنك فجأة..
مَن يعلم؟ قد تفعل
لعلّها يوماً ستفعل..