في معنى: مَشْـــــي.

تساقطَت عصر هذا اليوم ورقتين من نبتتي سلْسَبيل، أخذتهما بيديّ كان توقيتًا مُناسبًا لسقوطهما، لأن يتنحّا جانبًا مُخلين الأماكن لأوراق جُدد، لكنه ومثلما همَت الأوراق الميّتة من على الجذع تخفيفًا تذكرت أن كان هذا تحديدًا ما يفعله المشي معي.

لقد كان بوسعي دومًا أن أفكر بشكلٍ أجدى وأنا أتأمل المارّة، خلف زجاج نافذة السيارة، وأنا آخذ حمامًا دافئًا، وقبل النوم، فإنني -وكما لم ألحظ مُسبقًا- أفعل ذلك أيضًا وأنا أمشي.


تصوّر المشي في حياتي بصورٍ عديدة، وردات فعلٍ مختلفة، و وجودًا لا محسوس المظهر مكثّف النتيجة. في كل مرةٍ لمستُ فيها شعوري ذاك لم أفسّره لأصله، كنت أنتشي بالشعور مُتناسيةً دواعيه..


البارحة وبعد انقطاعٍ طويلٍ عن المشي إضطرارًا وبعد أن تلاشى مُسببه الرئيسي من حياتي، مشيت لأن مُسببًا آخر أجبرني على ذاك. مشيت طويلًا، مشيت حتى شعرتُ للحظات أن بوسع نسمات بداية الرَّبيع الليّنة أن تنتشلني مع مخلّفات شارع الحي التي رأيتها بعينيّ ترتفع رويدًا عن الأرض. كُنتُ خفيفةً وكانت تلك الخفّة التي بحثت ورغبت أن ألمسها منذ زمن.

من مشهدي الآن كم يبدو واضحًا عدد المرّات التي لجأت فيها له اختيارًا، تلك التي حملتُ فيها مشاعري ومشيت نحو المشي، كم يبدو جليًا كمَّ مشاهِد استئذاني من المحاضرة لا لسببٍ آخر إنما لأمشي، تأخري عن حضورها لأنني كنت أمشي، لحظة نزولي إلى الحديقة بوسط نهارٍ رمضانيٍّ حارق لأن أحدهم آلمني بتصرُّفه فمشيت تعبيرًا عن ألمي.

إن باستطاعة المشي أن يرمي ما هو عالقٌ في رأسي وأن يُزيح ثقل ما هو على كتفيّ، يمكنه منحي قوة التقدُّم باندفاعٍ غامر حتى إن كنت أتجسّر فحسب، باستطاعته غسلي بدون أن أنتبه، بدون أن أعي. المشي يُنقذني. أنا كنت أعبر نحوه كعادةٍ مُجرّدة وعندما كان يسألني عابِرٌ: "أتحبين المشي؟" أتردد في الإجابة وأرسو لـ: ليس دائمًا.



لكنني، لطالما رغبت وأحببتُ أن أمشي..

Join