"أنا بعضٌ من الإنسانِ.. أجري
وراءَ بقيَّتي لأصيرَ كُلَّا"
أهلاً ومرحباً..
المُلهم في تدوينتي هذه أبياتٌ أحبها وترافقني للشاعر: (جاسِم الصحيح)
كان تصدَح في عقلي لأيام وأتأملها لأيامٍ أخريات، أقف عندها في كل مرةٍ لأتفكَّر وأخرج منها مُفسرةً، مُحللةً لها كيفما أشاءُ وأرغب..
وعلّمني السقوط ببئرِ نفسي
بأنَّ الماءَ في الأعماقِ أحلى
أرغمتني حياتي بمجملها أن أختارَ بينَ خياراتٍ كُثر وفي أكرمِ وألطفِ أوقاتها كانت تُخيّرني بين خيارين تهويناً علي..
في هذا العام تحديداً أُجبرت منذ بدايته وحتى الآن أن أختار وكُنت عند مروري بالمزيد تصطف أمامي الاحتمالات وعلي حالاً الاختيار، أذكر أن إختيار المكتب الهندسي المنشود تدريبي لديه شهِد أعظم المواقف.. لكنَّ قراري على الدوام هو أن "أخوض/أغوص/أدلُف/أدخل".
كتبت في تويتر منذ أسبوعين تقريباً تغريدةً أخبرتُ فيها بأننا نُقرر الدخول إلى التجربة بشخصٍ مُختلف لا نعرفه بعد أن نخرج منها، تظلُّ الأيامُ طوال تلك المدة تنسُجنا برويّة جدةٍ عجوزٍ صبورة، تحِيكنا وهي ترتدي نظارتها وتبتسم بهدوءٍ غامرٍ لا نلحظه ولكنها تراقبُ تماماً انفعالاتنا، ضحكاتنا، سعاداتنا، غضبنا، بكاءاتنا، وكلّ المرات التي أقسمنا فيها أن نُغادر الآن أو أن نبقى هُنا في الدّاخل مسرورين -في تجربتنا- إلى الأبد. وندركُ نحن هذا فقط بعد الخروج عندما نتلمَّس أنفُسنا ونرى ثيابنا الجديدة الزاهية والأكثر أكثر.. أكثر روعةً من السابِق.
لطالما كان الندم في كلِّ أحوالهِ عدوي اللدود ولطالما كرهتُ أن يتراءى حتى طيفُهُ أمامي.. ولَكَم ركضتُ إلى الأشياء، الأشخاص، الفُرص، أُسابق الوقت كي لا أندم أو أُشيح بوجهي مراتٍ ومراتٍ بعيداً أيضاً كي لا أندم، أفعلُ كي لا أندم، أرفض كي لا أندم، أوافق كي لا أندم. يتملّك الندم رأسي في كثيرٍ من قراراتي وهذا إعتراف*
يتكررُ وقوفه بوجهي وفي كلِّ الإحتمالات أجدهُ يلوّحُ هُناك ويشيرُ إليَّ بنُسخِهِ الكثيرةِ وبتوافرهِ الدائم مبتسماً بلؤم. ثمَّ أتيقنُ وقتها بأنه لا مفَر ولا فِرار. وأعرفُ الآن بل أتأكد في كل مرة تضعني فيها حياتي أمام طرقٍ منفصلةٍ وعلي أن أختار بان ندم “اللاتجربة” يفوق ألماً وحسرةً ألم “التجربة”.
قد نندم لأننا خطونا، اقتربنا، جرّبنا، ونلعنُ قراراتنا المختارة ونبكي رُبما لأننا هُنا نُحارب ونقاوم ونخوض شيئاً يبتعد كثيييراً عن الـcomfort zone خاصّتنا.. أعي هذا وأعي أيضاً الألم المتضاعف والمتفاقِم والأسوأ في بقائنا بعيدين نُشاهد، تُحيطنا استفهامات عِدةً وأسئلةً لا نملكُ إجاباتها ولن نفعل، نُكرر "ماذا لو…" بإفتراضاتٍ لمْ نجربها، و نُحمْلقُ في ضبابيّة الفجوة، وكلاً من الفضول، الرغبة، التطلُّع يدفعنا لنهمَّ داخلين بينما يسحبنا الهلَع، الخوف، الجُبْن، لنبقى بعيدين، لنراقب من هناك فحسب.
أن لا نحصُل على إجاباتٍ أمرٌ مؤرق أن لا نتعلم شيئاً جديداً آخر أمرٌ مُربك، أن نهرب خوفاً من ندم “التجربة” بدون أن ندرك بأن ندم “اللاتجربة” أشد وأقسَى! أمر مُضحك!
لِذا.. لنسمّي يا رِفاق، لندخُل بيقينٍ مشدودٍ نحو السّماء، نحو الله، بأننا هُنا لنُحاول، نجحنا أو لم ننجح الأهم هو أننا تشجّعنا، خطونا، دلفنا إلى الداخل، لم نركض رعباً كالجبناء.
متحملين كل ما يحدُث ومستفيدين مِن كُلّ ما نعبُره ومتأكدين بأننا عند باب الدخول إلى هناك سننزِعُ نسخةً قديمة ونودِّعها بشكلٍ كامل ولن تأتي معنا.. لننتهي تماماً بحُلَّةٍ أخرى جديدة وهذا هو إنتصارُنا ❤️
*وأخيراً أخيراً أخيراً:
ولكنِّي وإنْ ثَقُلَتْ سنيني
عليَّ، وصارَ هذا الطينُ كَهْلَا
ذبحتُ العمرَ بالآمالِ حتَّى
عبرتُ بسُكَّةِ (الخمسينَ) طِفلَ