ما فيه أحد

العنود



يصحو بطل الحلقة "فايز" من نومه ليُدرك أن مدينة الرياض تخلو من الإنسان سواه، كل الأصوات صوته، جميع الأحاديث تُنسب إلى فمه وحده، يملك في حوزته كافة المساحات، يلعب مع نفسه جميع الأدوار، هو الوحيد المُسطير والمُسيطر عليه في فراغ إنساني غامض.ـ

 


صدمة معرفتك أنك لوحدك
لم يستوعب بطلنا أنه حقًا لوحده، هرب من منزله بعدما خسرت محاولاته في البحث عن أهله، ليلوذ بفراره نحو أبواب الجيران، يطرقها الواحد تلو الآخر، لم يُجب أحد. توقع أنه مجرد كابوس لذلك رمى نفسه في قاع النوم، لتسمع أذنيه وقع صوت والده وإخوته، ينهض من سريره بنشوة عظيمة ويشكو لوالده عن هذا الكابوس الذي صيره وحيدًا في الرياض. ـ
"تصور في الرياض ما فيه إلا لحالي؟"
بوم! يقع بطلنا من سريره بعد أن حلم بحياته الطبيعية ليعود إلى واقع أنه فعلًا وحيد في الرياض التي وسعت أكثر من مليون إنسان وضاقت على روح إنسان واحد. ـ


صلاحيات الوحيد في مدينته
بعد إدراكه لفكرة أن الرياض أصبحت ملكه، قرر "فايز" تجربة هذه المعيشة، حيث أنه مُتعري من أي قانون مجتمعي أو حقوقي، ومتحرر من تلصص الأعين وتجسس الآذان، لذلك يستطيع فعل كل شيء لم يتمكن من فعله، مهما تغير حجم هذا الفعل وتفاوت في أهميته، مثلًا أن يتزلج بواسطة عربة التسوق، لأن "ما فيه أحد" سيُحكم على تصرفاته بأنها غير ناضجة أو يلاحقه قانون ليُجرم فعله المخالف، بل هو المجرم والمحامي في آن، أو على صعيد حياتنا المعاصرة التي صادرت من الإنسان خصوصيته وأباحت لأي عابر سبيل أن يرفع كاميرة هاتفه ويلتقط صورةً ما لتصف مشهدًا ما، تتحول هذه الصورة إلى "ميمز" متداولة على سبيل نشر الابتسامات، أو إلى "هاشتاقات" للمطالبة الشعبية بعقاب فلان أو طرد علان من القبيلة،أوإلى حملات معادية لصحة الإنسان النفسية بالتنمر على لباسه الغريب أو تصرفاته الطفولية. 

مساحات الوحيد بين أرضه
تطور بطلنا إلى قدرته على زيارة البنوك لا ليودع مالًا أو يطلب قرضًا، بل لتحصل يديه على صناديق الأموال كاملة، بطبيعة الحال لا يوجد حسيب أو رقيب. ينتقل من الأموال إلى المناصب ليتقمص دور أرفع إنسان في الدولة: الوزير، لم يلبث "فايز" وقتًا طويلًا ليعرف أن هذا المنصب يُعطي مهابة حتى إذا لم يكن صاحب المنصب كذلك. كما لم تستغرق مُتعته سوى قليلًا حتى تلاشت ليقول: ـ

 

"أبي ناس، أبي مخلوق، أبي روح، أنا إذا استمريت على هذه الحالة ممكن تطلع روحي"



العودة نحو الواقع المرير
بعد هذه المحطات الراقية والمزخمة بالمتعة والحرية والرفاه، التي ولدت جميع المشاعر اللحظية لتلفظها روحه سريعًا قبل أن تمتد لعقله حتى يُفرز بعض "الدوبامين" المسؤول عن نشوتنا بعد كل عمل، قرر أن السبيل لتخلصه من وحدته هو عقاب نفسه عليها مع أنها لم تقترف ذنبًا لتُصادر منها حريتها، لكن ذهابه إلى "سجن الملز" زرع فكرة أن الوحدة تُشبه السجن، الذي مهما هرب منه الإنسان بعقله وتفكيره وبصيرته، إلا إنه لن يُغير واقع أنه مسجون بين أربعة جدران، وحيد بلا سلوان.

في حين محاولته التعود على السجن، يُصدم "فايز" بأنه فاز بصديق، هذا الصديق هو فأر! ـ
ثم بسريالية تليق بلقاء الإنسان الوحيد بصديقه الفأر الوحيد أيضًا، نكتشف عبر التلسكوب مع بطلنا وجود أخيه "سعد" كذلك لكنه في كوكب المريخ، لنعرف حينها بوجود مركبة فضائية حملت البشر إلى كوكب آخر، بينما بطلنا يغرق في نومه الثقيل الذي حرمه فرصة الهروب مع بني جنسه، تُحل المشكلة بوعد من أخيه لأن يُرسل مركبة أخرى بعد ١٠ دقائق ضوئية، ينتشي بطلنا دون علمه أنها تساوي ٤٥٦ سنة، سينتظر مئات السنوات حتى يتسنى لعينيه بأن تُبصر جسدًا ولأذنيه بأن تسمع حديثًا وسعادته بأن تولد من جديد بطريقة معنوية لا بطريقة مادية. ـ

هل تُداس الجنة من دون ناس؟
تُختم الحلقة بهذا المثل الشهير، الذي يُذكرنا بأننا لن نطيق العيش لوحدنا حتى لو كنا نتلذذ في نعيم الجنة فما بالك بالحياة؟ التي نعيمها لن يساوي نعيم الجنة؟ هل سنطيقُ الحياة وحدنا؟. ـ



Join