استمري فحسب


كيف تتسبب بيضة فاسدة ببكاءك؟ 

الإستمرار.. كيف يبدو؟ ما هو؟ ما الذي يعنيه تمامًا؟ أو لما علينا التعايش والعيش معه كفعل روتيني؟ هل تساءل أحدهم كيف أصبح ضيفًا وفردًا من حياتنا؟ وما المهم حقًا في الإستمرار؟ نحن نكرر أننا سنتوقف عن المحاولة لكن الحقيقة نحن نستمر حتى في دحض المحاولة كنوع من الإستمرار أي أننا حقيقة لا نتوقف عن الإستمرار، وأظن أن الإستمرار هي أكبر معضلاتي الحياتية، لأنني أرى أني مستمرة في الفوضى، والمزاجية والركض في سبيل الوصول بلا وصول، والوجود بلا وجود، وهكذا أستمر في دوامة أرى أنها لاشيء في الحقيقة أو هكذا تبدو في عيني وأمامي، ربما لأني إنسان ونحن معشر الإنس لا يبدو أننا نرى جيدًا فنظرنا قاصر مهما بلغ من طوله حين يمس الأمر شخوصنا. مؤخرًا أحاول الإستمرار كثيرًا، أحاول أن أدور وأمشي وأتسلق وأقفز فوق كل تلك الحواجز العشر أو الخمسة والعشرين أو المائة سبب، الذي أعلمه أني أستمر في خلق شيءٍ أحاول معرفته. هل يعلم أحدٌ منكم لما هو يستمر فيما يفعله أو لما يستمر في المحاولة أو يستمر في التوقف والجلوس، أريد حقًا أن أعرف إن ما كان أحدهم يمتلك سببًا حقيقيًا للإستمرار! لا أشعر بمقدرة على عد الأسباب، بل لا أظن أني أجيد ترتيبها، كفشلي في ترتيب الكثير من الأشياء، أو ربما لأن طريقة ترتيبي مرتبطة بتصنيفاتي الشعورية إتجاه الأشياء، أو ربما رغبتي بتواجدها حولي، ربما حين أتوقف عن رغبة التواجد يسهل علي فقدان الأمور والتوقف عن الاستمرار. 

كنت باردًا وشاحبًا كأنك نزفت كمية كبيرة من الوقتـــ 

بسَام حجام

لأول مرة لا تواتيني رغبة في التحدث عن مخبوزاتي، بل ولا أجد الطاقة للحديث عنها، وقد أكون فقدت جزءًا من ثقتي بنفسي معها، لا سبب واضح سوى أني أشعر بالضغط حتى حين لا أفعل شيئًا، أجل حتى حين أجلس أشعر بضغط مقيت يضغط فوق قفصي الصدري و كأن أطنانًا من الصخور تدهسني، وفي الحقيقة لا سبب واضح، لا نور يسعفني في عتمة عيني، ولا أجد صوتًا يدلني نحو الطريق والممر الذي أحتاج وجوده. وأظن حقيقة أني لم أعد مهتمة حقًا بأن أجد الطريق الآن بل أعتقد أن كل ما أريده هو القدرة على الإستلقاء أو الجلوس دون شعور يدفعني نحو هاوية لا منتهية تعلق بي في حواف حادة خلال السقوط، لما على السقوط أن يكون حادًا؟؟ ولما علي أن أصل حتى لنهاية الهاوية؟ لما أرغب بالوصول بشدة؟ أظن أني سأكتب الكثير من التساؤلات اللانهائية التي لا تغادرني. 


أكتب الآن برفقة ثلاث أو أربع أغنيات أعيدها وأتخيل في كل مرة سيناريو فيلم محلي هادئ مليء بالشجن والحنين والغربة عن النفس، هل تشعرون بغربة عن أنفسكم؟ مؤخرًا كنت أحاول أن أرد على التساؤلات التي كتبتها لي منى لمسابقة ليبستر و مازلت أكتب في بعض تلك الأسئلة و آخذ وقتًا طويلًا وأنفاسًا عميقة قبل أن أختنق لأستطيع أن أعبر، شيء ما يخبرني أن علي الاستمرار والوصول، أن علي البقاء هنا متمايلة نحو اليمين والشمال في زوبعة الحياة إلى أن تهدأ، لأنه وبحسب الريح فما دامت لم تقذفني بعد فهذا يعني أنها تريد مني أن أصل. ولا أعلم عن شعوري حين أصل هل سأجد المغزى؟ أم هل سأشعر بالخيبة. … هذا جزء كتابي ممتلئ بالأسئلة… 


مؤخرًا فكرت، لو أن المخبوزات كانت تخبز من مكان ما أعمل فيه بنفسي، أقصد ليس في المطبخ من المنزل، بل من مكان دافئ أرتبه بطريقة فنية تناسب مزاجي في الخبز وكل ما يتبعه، هل سيتغير الشعور الذي أشعر به من إنطفاء، هل معرفة أن زائرًا واحدًا قد يغير من الرغبة في الخبز ستأثر حقًا؟ وأشعر في قرارة نفسي أن الأمر سيختلف جدًا جدًا، بل أعلم تمامًا أن شخصيتي لا تتناسب مع فكرة الإنتظار للطلب، بل أريد أن أخبز ليجيء الناس وأقدم وأمارس العطاء، و لكن بشكل تام أعلم أن الأمر مكلف ماديًا و للغاية، ناهيك عن الحواجز التي لا أريد أن أستمع لأحد يخبرني أن العوائق ليست حقيقية حقًا، وأني أستطيع أن أتغلب لأنني أريد، لا أؤمن بهذه الفكرة، بعض الحواجز ليست لك لتتجاوزها بل لغيرك ليتجاوزوها، حتى الحواجز مثل جميع الاختيارات الحياتية، قد تصيب في بعض الحواجز و قد تخيب في بعضها، ربما بعض الحواجز خلقت لكي تتحداها وأخرى وضعها القدر في الطريق لتعلم أن بعض الأمور قد تكون أقصى مما تريده و تملكه، ولا أعلم لما قد يرى البعض هذا الرأي انهزاميًا بل أنا شبه متأكدة أنه قد يبدو رأيًا سلبيًا بينما أراه رأيًا مساعدًا على ترتيب الحواجز قدر الإستطاعة والسعة والرغبة والمقدرة على التحمل، بل أراه رأيًا يساعد على امتلاك الرضا بما يناسب المرحلة التي يمر فيها الواحد منا. ولهذا لوهلة توقفت عن القلق، خصوصًا مع الاستعداد لامتحان الأيلتس خاصتي، هذا قصة أخرى تمامًا بل ربما عند التحضير له يشعر الإنسان باحباط و شعور بأنه لا يجيد التحدث بالإنجليزية أبدًا بل ساورني ف البداية شعور الغباء، أذكر في أحد الأيام التي بدأت بحل أحد تمترين القراءة في كتاب كامبريدج بدأت أبكي لأني قرأت ثلاث مرات دون أن أشعر أني فهمت ما كتب، سوى أن هناك روبوتًا ما في الموضوع، كنت أعيد القراءة و أشعر أن طوبًا أحمر يتساقط كل مرة فوق رأسي و ينهشه نهشًا. وحقيقة بعد محاولات و مقاطع كثير اكتشفت أن الأمر مختلف جدًا عن كتابة مقال أكاديمي أو أدبي ابداعي كما في الجامعة عن شخص ما أو كتاب ما، فالأمر محاولة لاختبار القدرة اللغوية، وهكذا ربما بدأت أتقبل حقيقة هذا الامتحان، وحقيقة أنه لا بأس ببعض القلق من اللغة والمفردات، أظن أن الهدوء الموجود الآن تابع لكل تلك المساعدات التي قدمها الجميع، وكل تلك المراجع والمقاطع التي حصلت عليها بمساعدة الأصدقاء، ربما هذا خفف من الإحباط بشكل كبير للغاية، لذا شكرًا. 


خط رجعة. بيضة فاسدة، محاولة

حسنًا قد يفكر البعض أني تركت الخبز نهائيًا الحقيقة لا، لكن لا أشعر بالموهبة كالبداية وهذا يرعبني، خبزت كعكات نباتية صرفة رائعة، خبزت كعكات شوكولاتة لكني تعرضت لخيبتين.. إحداهما حين صنعت كعكة لريما أردت أن أبدع فيها و أظن أنني “بدعت فيها” كان كل شيءٍ رائعًا إلى تلك اللحظة التي اكتشفت فيها أن الكريما بدأت تذوب و أن القالب لم يكن موفقًا، وصدقوني أشعر بخيبة أكبر حين أشوه كعكات صديقاتي، أفضل أن أختبئ في تلك اللحظة على أن أخبز كعكة. ثم كعكات وجدان التي أخبرتني التالي: (الليمون لذيذة، خصوصا قطعة الليمون) وهنا أفكر هلا لكعكة لذيذة؟؟ أوسوس للغاية ثم ( الكريمات تجنن) وهو ما يجعل مني ختئفة كيف كان العجين؟ كيف كان القوام؟ أبدأ بالدخول لحالة رعب طويلة الأمد لا تنتهي بل تجعلني كارهة للنفس وباعثة على إشارات حزينة لعقلي ولكعكاتي، هل يجيد أحد التصدي للخيبات فيما يحب؟ أظن أن كل الخيبات سببها الأول هو الحب و المحبة، أعني لما على أملنا أو ظنوننا أن تخيب فيما لا نحبه و نستسيغه؟ الجيد في عدم الشغف في الأمور هو توقع أشياء منها أو من أنفسنا إتجاهها، ولذا ربما علي التوقف عن حبي وحب مواهبي، رغم أن هذا ليس صحيحًا و لن أقوم به حتمًا لكنها لحظة إحباط مصاحبة. وبلا شك سأتخطاها بعد يوم أو يومين أو عدة أسابيع حين أمتلك المزاج المناسب و الرائع لتخطيه، لكن قبل كل هذا وذاك، ألإكر بصنع كعكات ألذ حين أمتلك المزاج المناسب لأعوض عن كل تلك الكعكات التي لم تعجبني أبدًا. 


بيض فاسد: 

لدي نظرية تقول، أنك تحتاج لأمر واحد سخيف فاسد لكي تبكي أو تنفس عن ضغوطاتك، قد يحصل ذلك حين لا تجد الشاي في الدرج، أو تفقد حذائك المفضل، أو تنتهي أحد مسلسلاتك المفضلة، أو لا تجد طعامًا تحبه، يكون كل ما يتطلبه الأمر شيء واحد لتبكي وتنفس عن كل ذلك الغضب في داخلك، وأظن أن ما تطلبني كان أن أكسر خمس بيضات قبل عدة أسابيع لكي أصنع كعكة وأكتشف أن إحداها فاسدة لأجهش بالبكاء بينما هي صريعة بين أصابعي القصيرة، ولأسباب مجهولة تمامًا لا تتعلق بكوني مدللة أو نزقة أو أنادي أمي دومًا بدأت أنادي “مام ماما و أنا أبكي بصوت مختنق، البيض فاسد” أحد إخوتي علق بالتالي ( بعدين تكتب صنع بحب، وهو صنع بدموع) عند التفكير بالأمر لو لم أحب الكعك لما بكيت حين يفسد ولما غضبت حين يتدمر أو تهتز الأفكار المتعلقة به، وبلا شك فإن ما تطلب بكائي نظرًا للضغط و الخوف مما سيأتي، والمستقبل الدراسي الذي أحاول تأمينه، والبحث في كل مكان عن ما التخصص الذي سأختاره، وشكل الحياة الذي أسعى له كان بيضة فاسدة بين يدي وكعكة تنتظر أن تصنع. بالمظر للأمر هل يمكن مقارنة الكعكة بالحياة التي يريد المرأ الحصول عليها و البيضة بالعقبة التي يجب أن نتخطاها بسرعة، في النهاية استطعت صنع كعكة لذيذة وزيارة منزل عمي برفقتها لتنال استحسان الجميع… ربما علي أن أبدأ بترسيخ مبدأ ما مشابه للتعامل مع الضغوط، مثلًا، كل ما يسبب الضغط هو كعكة لها مكونات بشكل ما، وكل تلك المكونات عقبات بطريقة ما إن فسدت أو لم تكن في الصور المطلوبة، هكذا ربما أستطيع ترتيب الأمور في نصابها الصحيح و الملائم علي أجد بعض التعزية لنفسي ولكل ما يجعل مني غاضبة. 


ليبستر، و بعض من الأجوبة. 

بالتأكيد يجب على تدوينة ليبستر أن تكون مستقلة، بل أظن أنها شرط من الشروط، لكن لا أجد في نفسي الطاقة الكافية حتى لأنهي التدوينة بشكل أفضل من الرد على بضع أسئلة، ورغم أني كنت سعيدة ومتحمسة للكتابة لها، وبالرغم من رغبتي التي لا تزال كما هي إلا أن لا أجد لدى نفسي الطاقة الكافية لأكتب تدوينة أخرى مستقلة في صفحة أخرى بينما لدي ست مواضيع أخرى أتمنى كتابتها ولم أكتبها بعد، وكما يقال: أحتاج لتوجيه طاقتي، لكن في هذه اللحظة جدًا، لا مقدرة لي على توجيه الطاقة بالشكل الصحيح والسليم لكني أمتلك القدرة على الرد والجواب، آملة حقًا أن تسعفني الحروف ولوحة المفاتيح وعقلي والقليل المتبقي من الطاقة لدي. كتبت منى 11 سؤالًا ليجاوب عليهم كل من رشحت اسمه، حاولت في كل مرة أن أجاوب، قد تكون أجوبتي طويلة بعض الشيء، لكنها أنا و ثرثرتي والحروف التي ترافقني. قراءة ممتعة…… 

الأجوبة

1-لماذا نكتب؟ وهل بوسعك التخلّي عن الكتابة؟

لفترة قد يتساءل أي شخص يكتب عن جدوى الكتابة، أو ما الذي يجعل الكتابة مهمة في حياته، و قد يتساءل عن أول مرة اكتشف فيها أنه يحب أن يكتب، و متى كانت أول مرة سمع أحدًا يخبره أن كتابته جميلة، أو أنه يستطيع أن يتحسن و يصنع شيئًا من هذه الكتابة. أظن أننا جميعًا في وقت ما تساءلنا عن كل هذه، بالإضافة إلى الجدوى من الحروف. إلى وقت قريب لم أعلم حقيقة هدف الكتابة سوى أني ظننتها محاولة تعبير، لكن منذ بدأت أدون بطريقة شبه مستقرة و إن لم تكن كثيفة و كثيرة مثل كتاباتي العشوائية، إلا أني استطعت أجد إجابة قد تسعفني للوقت الحالي قبل أنا أغير رأيي بتزامن مع تغير مفهوم الكتابة بالنسبة لي، لأني أؤمن بأننا في عجلة متغيرة بشكل دائم و غير متوقف. لذا للآن؛ أظن أننا نكتب لنوثق صورة مميزة من نوع ما، صورة لا تستطيع كاميراتنا الحديثة التقاطها، شيء ما أعمق تتشارك فيه حواسنا، عملية من تلك التي تتطلب منا نوعًا من الجهد المبذول جماعيًا، شراكة بطريقة ما بين ما يخالجك، و ما رأيته، و عقلك و وجدانك و محاولاتك اللغوية و ربما محاولاتك الحياتية، و الرغبات و الحسنات و النزوات و المصادفات لتصنع صورة من حديث يخصك و تضعه أمام الحياة، تصنع شيئا، تحاول أن تعبر عن نفسك، و في الحقيقة مهما حاولنا انكار أن الكتابة فعل فردي، فإنني أراه بالضرورة فعلًا جماعيًا بشكل أو بآخر، فالحالة الكتابية التي تكتبها حين يتم استشعارها بتفاوت المشاعر و القدرة على إيصال ما تكتبه تخلق لنا مجتمعًا مقابلًا نحن الذين نكتب بمشاركة مع أولئك اللذين يقرؤون لنا، فنحن أباء لتلك الكلمات، نتبناها، و قد يصل الأمر بالبعض بأن يحاول حمايتها و خلقها في قلوب الكثيرين و جعلها نقطة بدأ لثورة ما، يكتب الناس ليؤرخوا الصور التي تجتاحهم و لا تستطيع أعينهم ترجمتها، و لا كاميراتهم التقاطها، يكتبون ليشرحوا الحياة في داخلهم


2- ما الكتب التي قرأتِها وشكّلت تحولًا في أفكارك وطريقة حياتك؟

ربما حين أقرأ سؤلًا مثل هذا سأشعر بالضياع، لست بشخص ذو ذاكرة جيدة في قراءاتي، أشعر بأني أتذكر ما أفهمه، ربما لن أتذكر الكاتب أو الكتاب، لكن أثرٌ ما يبقى عالقًا و لا أعلم إن كانت هذه مشكلة ما، أم موهبة ما. لكن لا شك أن ما يعلق في ذاكرتي و هو غالبًا ما سيكون أحد العناوين التي سأضعها في سؤال لاحق، فأستطيع أن أكتب عدة كتب و روايات، في بدايتي أظن أن ما شكل قراءتي حقًا هما والدي، و أعتبرهما الأساس من كل كتبي، ما سأكتبه من كتب الآن ليس مؤثرًا لوزنه حقًا بقدر تأثيره للأسباب التي جعلته مهمًا في حياتي. في بدايتي و هو كتاب لا أزال أذكر صوره، كتيت مصور عن الأسنان و نظافتها، أذكر ذلك الكتاب لسبب ما، حتى أني أخذت إحدى بطاقات تعريف عمتي و استبدلت اسمها من الدكتورة عاتكة إلى الدكتوة هيفي. و لا أعلم حقيقة كيف تشكلت لدي مقدرة الوعي تلك في ذلك الوقت بتحديد بطاقة تعريفية محددة بينما كنت شبه عالمة بتعدد رغباتي و عدم استقراري على أن أصبح طبيبة أو معلمة، بل أردت أن أكون كل شيء. ثم أذكر جيدًا الكتب و القصص المصورة التي قلت لخالاتي الساكنات في حلب أن يحضرنها لي، مجموعتا قصص للأطفال، إحداهما للمكتبة الخضراء و كتاب مصور يحوي قاموسٍا عربيا و إنجليزيا وفرنسيا، هكذا أردت دومًا السفر، إلى كل تلك البلدان، لا أزال أقرأ في كتب المكتبة الخضراء البسيطة تلك، بل وأتمنى أن أكمل مجموعتي الناقصة، القداحة العجيبة و جبل العجائب و الليمون العجيب، و لا تزال قصة الليمون العجيب إحدى مفضلاتي، ربما لأني أحب الليمون منذ الصغر. ثم تأتي أولى مراحل تشكل الوعي مع أعمال المنفلوطي الكاملة، الكتاب الذي اعتاد والدي العزيز بينما كنت في الصف الرابع أن يملي علينا منه مقاطع كل يوم لكي يتحسن خطنا و تتحسن أفكارنا بالإضافة لتمهيد طريق منهجي وأخلاقي. كانت رحلتي مع أعمال المنفلوطي شيقة، أذكر أني عدت أٌقرأ منه في المرحلة الثانوية ولا يزال ذلك الكتاب نقطة فاصلة و مهمة ومؤثرة للغاية في داخلي، أذكر تلك الكلمات التي يعلق عندها إخوتي الصغار، وأذكر أجواء العصر في بيتنا الذي كان عبارة عن ملحق علوي مع سطح واسع نلعب فيه لوقت طويل. ثم يأتي ديوان الإمام الشافعي في مرتبة عزيزة على قلبي، أذكر أني رجعت من دار التحفيظ ذات مرة أردد بيتًا له و سألت عنه والدي، في اليوم التالي وجدته قد قدم بكيس مكتبة جرير الأحمر مع ديوان الإمام الشافعي، و لا أعلم لما نسيت كل تلك الأبيات التي حفظتها، لكني أعلم أن تلك الهدية العزيزة تعني لي الكثير. ثم في إحدى المراحل قرأت كتب للرافعي كانت تحبها والدتي، و لو سألني أحدهم ما الذي أتذكره قد لا أتذكر شيئا بعينه، لكني أعلم أن كل كتاب يملك رفًا ما داخل قلبي. ثم الإختيارات التي رافقت صديقة الثانوية و قد تبدو روايتين أبسط حقيقة من اختياراتي في أي وقت، لكني كنت قد قرأت لغرض تحسين لغتي الإنجليزية رواية the fault in our stars و hopeless و عدة من الكتب التي لحقتها من ضمنها إحدى روايات ديكنز الخاصة بعمي، استعرتها من مكتبته و بدأت أٌقرا الوجهين العربي و الإنجليزي في محاولة لامتلاك اللغة جيدًا. هكذا كانت تتعاقب الكتب، لكن ما الذي أثر في قبل عدة أعوام؟ أو العام الفائت؟ أو قبله.. فإن الحقيقة تقال، أن كل كتاب أهدي إلي عنى لي الكثير، لكن رواية بيتر بان التي أحبها و أحبها و أهديت إلأي كانت تعني لي الكثير، تلك الشحنة الرائعة التي وصلتني في تاريخ الخامس عشر من فبراير، منقذًا بل ومناجاة شخصية جدًا و شعورًا جيدًا، أن تكون عالقًا في محاضرة أدب أطفال جالسًا في ركن بعيد بجانب شباك الفصل الواسع حيث تتحدث دكتورة المادة بالكثير و الكثير عن نظريات الشعر في الطفولة، ثم يحدثك مندوب شركة شحن لتمتلك كتبًا لطيفة على شكل هدية عزيزة فهو أمر لا شك يعني لي الكثير، و بالرغم من أني قد قرأت ست نسخ مختلفة لبيتر بان، كان الكتاب اللطيف عبارة عن نقطة رائعة و مختلفة للغاية، برفقته عدة كتب رافقتني طوال عام 2019. ثم لا أستطيع أن كتب المعرض التي أهديت لي في المعرض كانت تعني لي كثيرًا. و أظن أني اليوم أمتن لاستعاراتي من كتب والدي، الليلة كانت الإستعارة الألطف لأنها صوحبت بابتسامته الرقيقة و الرائعة، ابتسامة والدي المطمئنة. ثم قبل أن أختم هذا السؤال، كتب جدي الذي سحبتها من مكتبته في القامشلي الصيف الفائت.. الكتب التي استمدت بركة غرفته، كان إحداها لسارتر، أذكر أنه ظل خائفًا أن يلتقطوا كل تلك الكتب على الحدود البرية، و ظللت أطمئنه أن الأمر سيكون يسيرًا. شكرًا .. لكل تلك الكتب التي كانت مكونًا لخلق لحظات لذيذة جدًا، و مساهمة في انسياب ذاكرة أخرى بجانب بقية ذاكراتي..


3- ما مدى شعورك بالقرب من ذاتك في الماضي؟ هل لديك شعور أنكما الشخص ذاته، أم تشعر بانفصال؟ وإن وجدت نسخة قديمة من ذاتك القديمة، بمَ ستخبرها؟ وعن ماذا تسألها؟


عند قراءة هذا السؤال أفكر، هل نحن مقربون لذواتنا أصلًأ؟ لو كنت مقربة مثلًا لنفسي و أعرفها لما أشعر بالضياع إذًا في مرات كثيرة؟ هكذا أفكر، إذًأ في الحقيقة أنا لا أعرف حقًا كيف تبدو نسختي الماضية مني سوى أني متأكدة أننا نقترب من الذاكرة البشرية حين نذكر أن لنا نفسا ماضية، بهذه الطريقة نخلد الذكريات، أو المواقف حتى تلك التي نحاول جاهدين أن نحسن صورتها، فببساطة قد ننبذ مواقف محددة في الحياة الآن لكننا الآن نخلق لها مواقف استحضار ( ذاتي الماضية) و نتصالح مع كل ما نختلف معه الآن بهذه الطريقة.
لا أعلم متى تغيرت بالتحديد، أو ربما لا أتذكر كل المواقف التي صقلت ذاتي الآن في هذه اللحظة بمقابل تلك الماضية، كل ما أملك هو اثنان و عشرون عامًا أمضيت معظمها صباحًا و مساءًا في الرياض .. في غرف هي ذاتها اختلفت بمرور عدة منازل، لكن ما هي ذاتي الماضية .. مثلا في فترة ما اعتاد البعض أن يوصمني بالبرود.. أو بالاجتهاد .. أو بالعصبية .. أو أو أو .. أوليست تلك الذات هي أراء من حولنا عنا و التي بطريقة ما نترجمها لتصبح أنها نحن الذين نعرف .. لا أعلم حقًا متى تغيرت، أو كيف أصبحت، الجميع لديه محاولات تحسين لذاته، أنا أيضًا لدي محاولات تحسين لذاتي و هي عمل دؤوب أعمل عليه، لكن حقًا و حقيقة لا أعلم إن كانت نسخة الآن جزءًا لا يتجزأ من العمل الدؤوب الذي قمت به مع شخصي الماضي قبل عام أو عامين أو ربما خمسة .. ربما لا أتذكر كيف كانت تبدو، لكن بلا شك لا تزال بعض عوالقنا ملتصقة بجلد المواقف و الذكريات المستحضرة، و بما أن ما أذكره الآن بطريقة أو بأخرى هي مواقف تتكرر في ذات السلسلة بطرق مختلفة، و بما أن بعض الطباع لا تزال هي نفسها، فإنني أميل إلى تصديق أنها هي نفس الذات لكن ربما تختلف حدة الطباع نظرًا لعوامل النضج و عوامل تعرية تربة عقلي او مرور ذاتي بأعاصير و كوارث طبيعية أدت لخلق صورتها الآن ..

و لا أنا أشعر بالانفصال عن ذاتي، لكني أشعر بالاختلاف، اختلاف لا أتذكر حدوثه، لكنه ليس اختلاف شخص جديد، بل هو اختلاف لا أعرف كيف أعرفه أو أصفه، هو نوع من التغيرات على ما أظن، تشكيلة كان لا بد لها أن تقع مثلا كارتداء قطعة الثياب المناسبة في المكان المناسب. ربما هذا هو الاختلاف، كأن ترتدي فستان سهرة أغلب يومك و الغالبية الأخرى ترتدي فيها ثياب عمل، بهذه الطريقة، ربما اعتدت أن أرتدي ثياب منزلية أكثر أما الآن فلا.. أشعر فقط أني أرتدي عدة ثياب لا أحبها دومًا، و ان كان يعتبر هذا إختلافًا بمعناه الكامل فهذا يعني أني اختلفت.
أشعر أن أكبر اختلاف واقعي يحدث هو محاولاتي في تهذيب نفسي، تهذيب النفس الواقع تحت أفكار الحلم و الصبر، صوت منخفض.. و محاولة دائمة في اظهار الاحترام و التقبل و تقليل النقاشات.. هذه هي الامور التي أسعى لإيجاد اختلاف فيها، و أظن أن ممارستها تساعد حقًا في الاختلاف عن نفسك. و ربما هذه أمور تترافق مع الجزء الأول من السؤال، و ربما لا، لكن أظن أنه لا مهرب من أن نكون مختلفين عن أنفسنا معظم الوقت، لأننا لسنا وحدنا، و هذا يضعنا تحت مجهر الاختلافات، لن نستطيع أن نتشابه مت أنفسنا نظرًا لمرونا في البشر و مرورهم فينا ..


هل أستطيع أن أجد نسخة قديمة؟ هذا تساؤل رائع، أظن أنها نواجه نسخًا، لا نسخة واحدة، في كثير من الأحيان من باب التجربة التي خضناها، قد نخبر أحدهم " اعتدت أن أفعل كذا و كذا، بس تغيرت و اسمع كلامي لا تسوي كذا، ترا كنت اسوي كذا كذا " نجنب تلك النفوس التي نرى أنفسنا فيها ما نرى أنه لم يعد يعجبنا.. لكن لو التقيت حتمًا ذاتي في صورة مكونة تشابه نسخة ماضية لا أتذكرها تمامًا، سأرغب منها أن تساعدني على تدوين تفاصيل تفاصيلنا، حتى ذوقنا القرائي أو قائمة طعامنا المفضلة، سأسألها لقاءًا في مكتبة حيث نصمت و نكتب بهدوء، أريد أن تساعدني في كتابة مذكرات كفيلة بجعلي أتذكر دومًا كيف كانت تبدو .. ربما هذا سيحل معضلة ما ..


4- لو كان التاريخ قابل للتنقيح والحذف، ما الحدث الذي ستختار استبعاده من مشهد مسيرة العالم فلا يحدث أبدًا؟ ولماذا؟


هل سيبقى العالم هو العالم لو حذفت منه مشهدًا؟ أو حدثًا؟ أو أمرًا لا يحدث .. ربما سأحذف التهجير والحروب في حق كل هؤلاء الفقراء حول العالم.. أتمنى محو الجوع. 


5-هل هناك تفاصيل مُهملة وهامشية واعتيادية تستحوذ على اهتمامك؟ ما هي؟


الكثير، أركز دومًا على تفاصيل قد لا تبدو ذات أهمية، لكنها تستدعي كامل إهتمامي، بل و أجعلها جزءًا ضروريًا من كل لقاءاتي العابرة أو حتى حين أراقب أفراد العائلة..

مثلاً؛ دائمًا ما يسترعي انتباهي تحرك أرنبة أنف حسن شقيقي حين يضحك، أو الطريقة التي قد تسرح بها شقيقتي شعرها، تقف مطولًا و تستمر بتسريحه عدة مرات بينما تمد شفتيها و تسحب أنفها بطريقة لا أعرف جدواها، يدا والدتي حين تطبخ، هناك تجويف يحدث بين أصابعها حين تطبخ، أحب أن أنظر لوالدي حين يقود،أحب تأمل أساور الذهب في أيادي الإناث، أجدها جميلة جدًا، الطريقة التي يدفع بها أحدهم عربة التسوق، النظر حولي في المقاهي و تخيل قصصهم، أحب التفكير بكل تلك الأفعال التي قد لا نركز عليها، الطريقة التي قد ينظر بها أحدهم للآخرين أو لي، المصطلحات التي تتكرر، طريقة زهرة في قول حرف الحاء بدل الخاء... أنا لا أعرف لما لكن أشعر بأن حقيقتنا تختبئ في كل تلك الأفعال الغير ظاهرة، التركيز، الحكمة، الحنان، محبة الجمال، و الكثير من تلك الأمور التي قد توصم شخصياتنا دون أن نشعر.


6- لو أُرفقت معك لحظة الولادة دليل استخدام كالدليل التشغيلي الذي يأتي مع الأجهزة، ما الذي سيكون مكتوبًا فيه لوصفك وآلية عمل شخصيتك؟


( الدليل غير موجود،ضاع أثناء محاولة الحياة، حاول التماشي و التماهي مع ما يمثله هذا الإنسان بكل لطف) 


7-لو ألّفت سيرة ذاتية عن حياتك، ما عنوانها؟ ولو ألّفت سيرة غيرية عن شخصية تلهمك، من الشخصية وما عنوان السيرة أيضا؟


أظن أنه من المبكر جدًأ أن أفكر بسيرة لحياتي في الثانية والعشرين من العمر، يبدو وقع الجملة مضحكًا، ربما بعد عشر سنوات أو عشرين أو أكثر أفكر بواحدة تحت إسم (تأجيل، سيرة ذاتية في التسويف النفسي). لا أعلم بمن سأفكر لأكتب عنه، لكن من الجلي أن والدي من القلائل اللذين أستطيع أن ألإكر بمقدرتهم على التعايش مع الواقع بطريقة تستعري انتباهي، ربما أخلق سيرة شخصية تشبههما في شكل رواية لا تشبههما مستوحاة منهما وأسميها ( تلاطم، كيف تلتقي الأمواج) 


8- أيهما أصعب، خلق الأسئلة أم استدعاء الإجابات؟


من الواضح أن ما يخلق الأسئلة هو وجود إجابات ومحفزات ظاهرة صنعتها، عملية ديناميكية لا تتوقف، أظن وبلا شك أن خلق السؤال والجواب عمليتنا مترافقتان جدًا، الإجابات أصعب، لأن خلق السؤال يتيح لنا خيار الإحتمالات بينما ترقب الجواب يخلق لنا حس الخوف من الإجابة، قد نتساءل عن أشياء نعرف أن أجوبتها تسوؤنا لكن ذلك الترقب في دحض الحقيقة هو ما يخلق السؤال ويخلق ترقب الإجابة، بلا شك فإن في معظم الأحيان معرفة الإجابة أصعب من السؤال نفسه لكوننا خائفين جدًا مما قد يحدث. 


9- فيما لو حظيت بفرصة لطرح سؤال واحد مع وعود بحصولك على إجابة قاطعة وصريحة وصادقة ولا ينازعها شك. ما السؤال الذي ستطرحه؟ 


لا أملك أسئلة لأحد في الوقت الحالي، وأشعر أني لن أمتلك أيًا منها قريبًا… 


10 و 11 - لو كان بوسعك اختيار كتاب من التراث العربي ليكون ضمن مقررات المرحلة الثانوية، أي كتاب تختار؟ ولماذا؟
لو كان بوسعك اختيار كتاب من العصر الحديث لتدريسه ضمن مقررات المرحلة الثانوية، أي كتاب ستختار؟ ولماذا؟


تراث عربي … كتاب حديث … أتوقف كثيرًا عند العناوين، لكن ما الذي يجب حقا تدريسه، أجد من السهل أن أذكر دواوين الشعر لكن يصعب علي التفكير بكتاب واحد، لا أملك كتابًا، حقًا لست شخصًا رائعا مع التوصيات، بل أنا كثيرة النسيان فيما يخص عناوين ما قرأته، بل وأميل مع الرأي القائل أنه ليس على الواحد حفظ ما قرأ بل عليه أن يتأثر، قد يسعفني عقلي بين الحين و الآخر بأن يتذكر كتابًأ أو اثنين، لكن بلا شك لو كنت مدرسة في مكان ما، سأجعلهم يقرؤون الكثير من الشعر، الكثير منه حتمًأ حين يشعرون بالحزن و الإحباط، والكثير من الأدب. أستطيع بلا شك تذكر عدة كتب حديثة ولكن لا أجد الجرأة في نفسي لأفكر بمنهج لأشخاص سأكون مسؤولة عنهم، بل ترعبني فكرة المسؤولية و تبعتها من قراءتهم و تأثرهم، بينما لا أزال نفسي أبحث عن كتبي ورغباتي القرائية. 



النهاية و رسائل. 

حوت التدوينة الأخيرة على مربع رسائل ومن خلاله وصلت إلي رسائل كثيرة رائعة، وأخرى لطيفة، شاركني العديد الكثير من الحديث عن مشاعرهم وكنت سعيدة بالرد حقًا على كل رسالة، لذا رأيت أنه من الرائع الحديث مجددًا. 


أخبروني اليوم، ما هي بيضتكم الفاسدة السخيفة التي تسببت ببكائكم في وقت سابق؟ كيف تتعاملون مع كل ما يحدث حولكم؟ ما مؤشرات الغضب و كيف تهدؤون… 

مراسلة:


Join